الحارث بن حلزة بن مكروه بن عبد الله بن مالك بن يشكر بن بكر بن وائل هو أحد أبرز شعراء الجاهلية من العراق. المعلومات المتاحة حول حياته وأخباره قليلة؛ أما كنيته، فلم تكن واضحة في المصادر القديمة، إلا أن بعض المؤرخين الحديثين أشاروا إلى أنه كان يُكنى بأبي عبيدة أو أبي ظليم. نشأ الحارث في عائلة معروفة بالشعر، حيث كان هو وأخوه شاعرين بارزين، وقد رثاه أخوه عمرو بأبيات شعرية تعكس أحاسيس الحزن والألم عند فقدانه.
تباينت آراء العلماء حول سنة وفاته، حيث قيل إنها كانت حوالى عام 580 ميلادي، بينما رأى آخرون أنها كانت حوالي عام 650، وقيل أيضًا إنها كانت نحو عام 520.
تميز الحارث بن زاوية الفروسية والشجاعة العالية، بالإضافة إلى ثقته بنفسه. كما اتسم بالحكمة والرزانة، وهو ما تجلى في معلقته الشهيرة. يعتبر خطيبًا بليغًا ومحامياً ماهرًا وقوي الحجة، ويتميز بشعره المتزن انفعالياً، مما جعله مختلفًا عن غيره من الشعراء. ورغم أن شعره احتوى على بعض الغزل، إلا أنه كان بسيطًا ومتسقًا مع تقاليد الشعراء في العصر الجاهلي.
بدأ الحارث بن حلزة بكتابة شعر المعلقات بعد أن كلفه الملك عمرو بن هند لاختيار شاعر وخطيب من بني تغلب ليتقدم بوساطة بين بني بكر وبني تغلب بعد حرب البسوس. تم اختيار الحارث ليكون شاعراً لبني بكر، حيث كان رئيسهم، ونظم الشعر متوجهًا للملك لتقديمه بنفسه بعد أن لم يجد أحداً مناسبًا للقيام بذلك. وعندما ألقاها أمام الملك كانت بينهما ستة وستون ستارًا، تجنبًا لإثارة اشمئزاز الملك لحالته الصحية، إذ كان أبرص. لكن الملك أمر بإزالة الستائر وأحضر الحارث إليه، وقد أعجبت أم الملك هند بشجاعته وشعره عند سماعه، وهو ما أطلق مسيرته في كتابة شعر المعلقات.
كان الحارث من الشعراء المقلين، مما جعل أشعاره نادرة. فقد قال لعمرو بن هند:
أَلا بَانَ بِالرَّهْنِ الغَدَاةَ الحَبَائِبُ
كَأَنَّكَ مَعْتُوبٌ عَلَيْكَ وعَاتِبُ
لَعَمْرُ أَبِيكَ الخَيرِ لَوْ ذَا أَطاعَنِي
لَغُدِّي مِنْهُ بِالرَّحِيلِ الرَّكَائِبُ
تَعَلَّمْ بِأَنَّ الحَيَّ بَكْرَ بْنَ وَائِلٍ
هُمُ العِزُّ لا يَكْذِبْكَ عَنْ ذَاكَ كاذِبُ
فَإنَّكَ إِنْ تَعْرِض لَهُمْ أَوْ تَسُؤْهُمُ
تَعَرَّضْ لأَقْوامٍ سِوَاكَ المَذَاهِبُ
كما مدح الحارث رجلاً يُدعى قيساً بن شراحيل قائلاً:
فهلا سعيت لصلح الصديق كصلح ابن مارية الأقصم
وقيس تدارك بكر العراق وتغلب من شرها الأعظم
وبيت شراحيل في وائل مكان الثريا من الأنجم
فأصلح ما أفسدوا بينهم كذلك فعل الفتى الأكرم
وله قصيدة يتحدث فيها:
من حاكم بيني وبين الدهر مال علي عمدا
أودى بسادتنا وقد تركوا لنا حلقا وجردا
فلو أن ما يأوي إلى أصاب من ثهلان فندا
أو رأس رهوة أو رؤوس شمارخ لهددن هدا
فضعي قناعك إن ريب الدهر قد أفنى معدا
فلكم رأيت معاشرا قد جمعوا مالا وولد
وهم رباب حائر لا يسمع الأذان رعدا
فعش بجد لا يضرك النوك ما لاقيت جدا
والنوك خير في ظلال العيش ممن عاش كدا
أحدث التعليقات