بناءً على تصورات النحاة، يُعرف الكلام بأنه عبارة تحمل فائدة تجعله يستحق التوقف. ولذا يجب أن يكون مفيدًا بطبيعته، بحيث لا ينتظر السامع إكمالته. يرى الزمخشري أن الكلام يمكن أن يُشمل فيه أي تركيب يتكون من كلمتين يرتبطان بإسناد، مثل الفعل والفاعل.
هذا التعريف أيضًا يتماشى مع وجهة نظر جمهور النحاة في تعريف الجملة، مما يعنى أن الكلام هو مرادف للجملة. فمثلًا في التعبير “إن جلس خالد قام زيد”، تُعد “إن جلس خالد” جملة؛ لأنها تركيب كلمات، لكنها لا تعتبر كلامًا وفقًا لاصطلاح النحاة، نتيجة لعقبة “إن” الشرطية التي تمنع السكوت عليها.
بشكل عام، يجدر بالذكر أن الجملة لا تحمل موضعًا من الإعراب، وفقًا لما ذكره أبو حيان. ومع ذلك، فهذا الأمر قد يتغير، لتصبح لها مواضع إعرابية، وذلك حينما تكون في قوة الاسم المفرد.
لقد قام العلماء بدراسة كلمات العرب الفصحاء، وحددوا سبعة أنواع رئيسية من الجمل التي لا تحوز محلًّا من الإعراب. ولكن في التفاصيل، قد يتجاوز العدد ذلك. وسيتم عرض وتفصيل الجمل التسع التي لها محل من الإعراب، والتي تعوض عن الأسماء المفردة وتُعتبر بمثابة إعراب تقديري.
تتكون الجملة الاسمية من مبتدأ وخبر، حيث أن الخبر هو الجزء الذي يكمل معنى الكلام. وفي الأصل، يجب أن يكون الخبر مفرداً ومرفوعاً، كما في قوله تعالى: “وَالصُّلْحُ خَيْرٌ”، حيث “خير” هو الخبر الوارد بشكل مفرد. ولكن يمكن أن يأتي الخبر جملة كما أوضح ابن مالك قائلاً: “ومفردًا يأتي ويأتي جملة”.
تكون الجملة في محل رفع خبر للمبتدأ، مثل قوله تعالى: “وَأُولُو الأَرحامِ بَعضُهُم أَولى بِبَعضٍ”، حيث الجملة الاسمية “بعضهم أَوْلى ببعض” هي خبر المبتدأ “أولو”. وقد تظهر الجملة الفعلية أيضًا في هذا السياق، كما في قوله سبحانه: “اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ”، حيث أن الجملة “يجتبي” تقع في محل رفع خبر لله.
في كلتا الحالتين، يجب أن تحتوي الجملة الفعلية (خبر) على رابط يربطها بالمبتدأ، مثل الضمير. وبالتالي، فإن الجملة، سواءً كانت اسمية أو فعلية، تأخذ حكم الخبر.
تأتي هذه الجملة بعد نكرة بقصد تخصيصها أو الإضافة إلى تفاصيلها. يتم الاعتراف بها في الإعراب كنكرة، فإن كان حالها رفعًا فترتفع، وإن كان نصبًا فهي تنصب، وإن كانت جرًا فهي تجر. شرط هذه الجملة هو وجود ضمير يعود على تلك النكرة، كما في قوله تعالى: “وَلَن نُؤمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتّى تُنَزِّلَ عَلَينا كِتابًا نَقرَؤُهُ”.
في هذا المثال، الجملة الفعلية “نقرؤه” تأتي بعد النكرة المنصوبة “كتابًا”، مما يجعلها في محل نصب. أيضًا، مثل قوله تعالى: “فَانطَلَقا حَتّى إِذا أَتَيا أَهلَ قَريَةٍ استَطعَما أَهلَها”، حيث تكون الجملة الفعلية “استطعما” في محل جر، ومثال آخر من قوله سبحانه: “اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ”، فيكون الجملة “لا مرد له” في محل رفع.
توصف الحال عمومًا بالنصب لتوضيح هيئة صاحبها. ومن الجمل التي تقع في محل نصب الحال، مثل قوله تعالى: “وَجاءوا أَباهُم عِشاءً يَبكونَ”، حيث الجملة الفعلية “يَبكونَ” تتضمن حالًا من الفاعل “جاءوا”. كما يظهر في قوله تعالى: “لا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى”، التي تُصنف الجملة الاسمية “وأنتم سكارى” في محل نصب.
تعُرف الجمل التي تقع في هذا المحل بأنها تلك المحكية بالقول أو المحكية بمعناها دون استخدام حرف التفسير. وهذا النوع من الجمل ينقسم إلى نوعين حسب الاستقراء:
حينما يأتي اللفظ مع الحفاظ على صورته الأصلية، كما في قوله تعالى: “قالَ إِنّي عَبدُ اللَّـهِ” حيث “إني عبد الله” تقع في محل نصب مفعول به.
تظهر عند وجود مفعول أول في باب “ظنَّ” أو بعد المفعول الثاني لفعل من أفعال القلوب أو التحويل، مثل: “ظننتُ عامرًا يكتب”. حيث الجملة “يكتب” هي في محل نصب مفعول به. وأيضًا في حالة “أعلمتُ خالدًا زيدًا جدُّه مريض”، تأتي الجملة “جده مريض” في محل نصب مفعول به.
تشير إلى الجمل التي تأتي ردًا على أسلوب الشرط باستخدام أداة جازمة، لكن لا يمكن أن تُعتبر جملة شرط. على سبيل المثال، قوله تعالى: “وَإِن لَم يُعطَوا مِنها إِذا هُم يَسخَطون”، حيث الجملة “إذا هم يسخطون” في محل جزم جواب الشرط.
يظهر النوع الآخر، وهو الجملة المقترنة بالفاء بعد فعل الشرط كما في قوله تعالى: “مَن يُضلِلِ اللَّـهُ فَلا هادِيَ لَهُ”، فتكون الجملة “فلا هادي له” في محل جزم جواب الشرط.
تأتي الجملة بعد ما يُضاف، كما في قوله تعالى: “يَومَ يُحمى عَلَيها في نارِ جَهَنَّمَ”، حيث الجملة الفعلية “يحمى” تقع في محل جر مضاف إليه. ومثال آخر هو الجملة الاسمية “هم على النار يفتنون” التي تأتي في محل جر مضاف إليه. كما أن الجمل التي تقع بعد “إذ، حيث، بينا، بينما” تكون جميعها في محل جر مضاف إليه، مثل قوله تعالى: “إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ” حيث “دخلوا” في محل جر مضاف إليه.
هي الجملة التي تُعطَف على ما قبلها وتأخذ نفس محلها الإعرابي، إن كان رفعًا فهي ترفع، وإن كان نصبًا فهي تنصب، وإن كان جرًا فهي تُجر. ومن ذلك قوله تعالى: “أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْر فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيقبِضنَ”، إذ الجملة “يقبضن” تقع في محل نصب لتكون معطوفة على “صافَّات”.
تعتبر دائمًا في محل رفع، حيث جاءت جملة اسمية مثل: “إن سلمى أبوها مسافر”، بحيث تكون “أبوها مسافر” في محل رفع خبر إن. كما قد تكون جملة فعلية، مثل قوله تعالى: “وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً”، حيث الجملة “يأمركم” في محل رفع خبر إن.
تُعتبر دائمًا في محل نصب، وقد تأتي جملة اسمية كما في: “كان الطالب معلمه شديد”، فتكون “معلمه شديد” في محل نصب خبر كان. أو جملة فعلية مثل قوله تعالى: “وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ”، حيث الجملة “يكذبون” في محل نصب خبر كان.
إليك بعض الأمثلة على الجمل التي لها محل من الإعراب:
وَنَحنُ حَبَسنا الحَيَّ عَبسًا وَعامرًا
لِحَسّانَ واِبنِ الجونِ إِذ قِيلَ أقبَلا
تفسيرها: “نحن حبسنا الحي” حيث “نحن” ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ، “حبسنا” فعل ماضٍ، و”الحي” مفعول به منصوب. وبهذا تكون الجملة “حبسنا الحي” في محل رفع خبر المبتدأ.
حيث “أولئك” اسم إشارة في محل رفع، بينما “مأواهم” هو مبتدأ ثانٍ مرفوع، و”النار” خبر المبتدأ الثاني. والجملة “مأواهم النار” تقع في محل رفع خبر.
أَتَتنا تُسائِلُ ما بَثُّنا
فَقُلنا لَها قَد عَزَمنا الرَحيلا
حيث “قد عزمنا الرحيل” تتضمن جملة في محل نصب كمقول للقول.
يا رُبَّ ظِلِّ عُقابٍ قَد وَقيتُ بِها
مُهري مِنَ الشَمسِ وَالأَبطالُ تَجتَلِدُ
حيث تكون الجملة “الأبطال تجتلد” في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة “الأبطال تجتلد” أيضًا في محل نصب حال.
مَن يَفعَلِ الحَسَناتِ اللَهُ يَشكُرُها
وَالشَرُّ بِالشَرِّ عِندَ اللَهِ مِثلانِ
حيث تكون الجملة “الله يشكرها” في محل رفع خبر المبتدأ.
حيث “نَحشُرُهُم” في محل جر مضاف إليه.
حيث “يَكْذِبُونَ” في محل نصب خبر كان.
حيث تكون الجملة “يحفظ القرآن” في محل نصب نعت.
حيث تكون الجملة “يتعبون” في محل رفع لكونها معطوفة على الخبر “يعملون”.
أحدث التعليقات