يعبر مصطلح التهاب الغدة الدرقية (بالإنجليزية: Thyroiditis) عن مجموعة من المشاكل الصحية التي تؤثر على الغدة الدرقية، مما يتسبب في حدوث تورم والتهاب فيها. ورغم أن جميع هذه المشاكل تُسبب التهاب الغدة الدرقية، إلا أن لكل منها خصائص وأعراض خاصة. بعض الأنواع تؤدي إلى زيادة إنتاج الهرمونات، بينما تؤدي أخرى إلى تثبيطها. من المهم الإشارة إلى أن معدل الإصابة بين النساء يفوق متوسط الإصابة بين الرجال.
لا توجد أعراض محددة تشير إلى التهاب الغدة الدرقية بمفرده، حيث يمكن أن يؤدي الالتهاب إلى تلف وتدمير تدريجي لخلايا الغدة على مدى فترة طويلة، ما قد يؤثر على وظائف الغدة الدرقية وانخفاض مستويات هرموناتها في الدم، وتعرف هذه الحالة بمرحلة قصور الغدة الدرقية (بالإنجليزية: Hypothyroid phase). قد تستمر هذه المرحلة لفترة طويلة أو تتحول إلى قصور دائم في الغدة الدرقية في بعض الأحيان. ومن الأعراض المرتبطة بقصور الغدة الدرقية ما يلي:
وفي بعض الحالات الأخرى، قد يتسبب الضرر الحاصل على خلايا الغدة الدرقية بشكل سريع في إفراز كميات كبيرة من الهرمونات المخزنة في الغدة إلى مجرى الدم، مما يؤدي إلى زيادة مستوياتها عن المعدل الطبيعي. وغالباً ما تستمر هذه المرحلة لفترة قصيرة تتراوح بين شهر إلى ثلاثة أشهر، وتعرف بمرحلة فرط نشاط الغدة الدرقية (بالإنجليزية: Hyperthyroid phase). ومن الأعراض المرتبطة بفرط نشاط الغدة الدرقية ما يلي:
تتعدد الأسباب والمشاكل الصحية التي قد تؤدي إلى التهاب الغدة الدرقية. يمكن تصنيف هذه المشاكل بناءً على الحالة السريرية أو المسبب أو العامل الممرض المسؤول. فقد يكون الالتهاب نتيجة لعدوى بكتيرية أو فيروسية، أو ناتج عن استعمال بعض الأدوية، أو بعض اضطرابات الجهاز المناعي. ومن أبرز أسباب التهاب الغدة الدرقية ما يلي:
يُعتبر التهاب الدرقية لهاشيموتو (بالإنجليزية: Hashimoto’s thyroiditis) أو التهاب الدرقية اللمفاوي المزمن (بالإنجليزية: Chronic lymphocytic thyroiditis) الأكثر شيوعاً بين أنواع التهاب الغدة الدرقية، ويصنف ضمن اضطرابات المناعة الذاتية. يحدث هذا الالتهاب بسبب إنتاج الجهاز المناعي لأجسام مضادة للغدة الدرقية (بالإنجليزية: Anti-thyroid antibodies) مما يتسبب في إحداث تلف في خلايا الغدة، وقد يؤدي إلى تضخمها المعروف بالدراق. من المهم ملاحظة أن هذا الالتهاب يتطور بشكل بطيء على مدار فترة طويلة، لذلك قد لا يتم تشخيصه إلا بعد أن يتعرض الجسم لانخفاض حاد في إنتاج الهرمونات. وتظهر الدراسات أن نسبة الإصابة في النساء تفوق الرجال بمعدل يقترب من 10:1، وغالباً ما يتم تشخيص الحالات بين سن 30-50 عاماً.
حتى الآن، لم يُطور علاج فعّال لالتهاب الدرقية لهاشيموتو، وعادةً ما يكون قصور الغدة الدرقية مصاحباً بشكل دائم للمريض. أما أسباب ظهور المرض، فهي غير واضحة تمامًا، لكن هناك عوامل تشكل محفزات للإصابة بين الأفراد المعرضين، مثل: التدخين، التوتر، عدوى معينة، واستعمال بعض الأدوية. كما قد يرتبط هذا المرض ببعض الحالات الصحية الأخرى مثل مرض السكري من النوع الأول، ومرض أديسون، وقصور جارات الدرقية، كما يمكن أن يكون للمرض أساس وراثي.
يعتبر التهاب الدرقية تحت الحاد (بالإنجليزية: Subacute thyroiditis) أو التهاب الدرقية لدي كورفان (بالإنجليزية: De Quervain’s thyroiditis) من المشاكل الصحية النادرة التي تنتج عن تفاعل مناعي يسبب التهاب الغدة. وغالباً ما يظهر بعد عدة أسابيع من الإصابة بعدوى فيروسية في الجهاز التنفسي العلوي، مثل الإنفلونزا أو نزلة البرد. وقد تفرز الغدة الدرقية هرموناتها بمعدل زائد في البداية، مما يسبب أعراض فرط نشاط الغدة، ثم تعود مستوياتها للانخفاض مع بدء الشفاء، مما يؤدي إلى ظهور أعراض القصور في الغدة. قد يتطلب الشفاء من هذه الحالة عدة أشهر لاستعادة نشاط الغدة بشكل تدريجي، لكن في بعض الحالات قد يتكرر الالتهاب أو يصبح القصور دائماً، مما يستدعي العلاج الهرموني البديل مدى الحياة.
يصاحب التهاب الدرقية تحت الحاد ألم وانتفاخ في الرقبة، ويمكن أن يمتد الألم إلى الأذن والفك في بعض الحالات. يمكن أن تستمر هذه الأعراض لأسابيع أو حتى أشهر في حالات نادرة. ومن الأعراض الأخرى الأقل شيوعاً التي قد ترافق هذا النوع من الالتهاب تشمل صعوبة البلع، التعب، الحمى، والشعور بالضعف.
التهاب الدرقية الصامت (بالإنجليزية: Silent thyroiditis) أو التهاب الدرقية اللمفاوي تحت الحاد (بالإنجليزية: Subacute lymphocytic thyroiditis) هو نوع آخر من التهاب الغدة الدرقية المناعي الذاتي. يتميز هذا النوع بوجود ثلاث مراحل تبدأ بفرط شديد في إنتاج الهرمونات، مما يعرف بالتسمم الدرقي (بالإنجليزية: Thyrotoxicosis) يستمر لمدة 3-4 أشهر تقريبًا، تليها مرحلة قصور الغدة الدرقية التي قد تستمر حتى 6 أشهر، قبل أن تعود وظائف الغدة الدرقية إلى طبيعتها في معظم الحالات. ومع ذلك، قد يمتد قصور الغدة الدرقية في بعض الحالات، كما قد يظهر بعض الأفراد بشكل بسيط الدراق.
التهاب الدرقية الناتج عن الولادة (بالإنجليزية: Postpartum thyroiditis) هو نوع من التهاب الغدة الدرقية الذي يصيب النساء خلال السنة الأولى بعد الولادة. ينتج عن رد فعل مناعي يؤثر على الغدة، ويكون أكثر شيوعاً عند النساء اللواتي تعرضن سابقاً لالتهاب الغدة الدرقية بعد الولادة، أو لدى اللواتي يمتلكن أجساماً مضادة للغدة. يتشابه هذا النوع مع التهاب الدرقيَّة الصامت ولكن بمدد زمنية مختلفة، حيث تتراوح مدة التسمم الدرقي بين شهرين إلى ستة أشهر بعد الولادة. وغالباً لا تظهر أعراض واضحة خلال هذه المرحلة، بينما تظهر أعراض القصور بعد مرور ثلاثة أشهر إلى عام بعد الولادة، وتتضمن ضعف التركيز، وجفاف البشرة، وفقدان الطاقة، وعدم تحمل الطقس البارد، بالإضافة إلى الدراق غير المصحوب بالألم. غالباً ما تتعافى الغدة الدرقية خلال 12-18 شهراً، لكن بعض النساء قد يعانين من قصور دائم بعد العلاج.
يُعتبر استخدام بعض الأدوية سبباً نادراً لالتهاب الغدة الدرقية، مما قد يؤدي إلى ظهور أعراض فرط نشاط الغدة أو ضعفها. يُمكن أن تتضمن الأعراض الآخر المعاناة من ألم حول منطقة الغدة السليمة. من المهم ملاحظة أن هذه الأعراض تتلاشى باستمرار عند التوقف عن استخدام الدواء الذي سبب الالتهاب، ومع ذلك ينبغي استشارة الطبيب قبل التوقف عن تناول أي خيارات علاجية موصوفة. تشمل بعض الأدوية التي قد تُسبب التهاب الغدة الدرقية دواء أميودارون (بالإنجليزية: Amiodarone) لعلاج اضطرابات القلب، والليثيوم (بالإنجليزية: Lithium) للاكتئاب، والإنترفيرونات (بالإنجليزية: Interferons) لعلاج السرطان.
يستطيع العلاج الإشعاعي لعلاج بعض أنواع السرطان، أو استخدام اليود المشع لعلاج فرط نشاط الغدة، أن يؤدي إلى إحداث تلف في خلايا الغدة الدرقية. ولاعتبارات سلامة الغدة، قد تظهر أعراض فرط أو قصور النشاط بعد فترة العلاج. وعادة ما يعاني المرضى من ألم في منطقة الغدة بعد أسبوع إلى أسبوعين من العلاج الإشعاعي، ويُعرف هذا النوع من الالتهاب بالتهاب الغدة الدرقية الناجم عن الإشعاع (بالإنجليزية: Radiation-Induced Thyroiditis). علاوةً على ذلك، قد يؤدي قصور الغدة الدرقية الناتج عن استخدام اليود المشع إلى حاجة الشخص للعلاج الهرموني البديل مدى الحياة.
التهاب الغدة الدرقية المعدي الحاد (بالإنجليزية: Acute infectious thyroiditis) أو التهاب الدرقيَّة القيحي (بالإنجليزية: Suppurative thyroiditis) هو حالة نادرة جداً ناتجة عن عدوى بكتيرية أو فطرية أو طفيلية. في الغالب، تنتقل العدوى إلى الغدة عبر الأعضاء القريبة أو من خلال الدم. عادةً ما تكون الغدة محصنة ضد العدوى، ولكن هناك بعض العوامل التي قد تزيد من خطر الإصابة، مثل: ضعف الجهاز المناعي، التقدم في السن، أو وجود تشوهات خلقية مثل القناة الدرقيّة اللسانية المستديمة. بالإضافة إلى ذلك، يرتبط التهاب الغدة الدرقية المؤقت غالبًا بأحد الأعراض الجانبية لجراحة في الرقبة أو الغدة نفسها، كما أن حوالي نصف المرضى المصابين بالتهاب الدرقيَّة القيحي يعانون من مشاكل في الغدة الدرقية.
يعاني الأشخاص المصابون بالتهاب الدرقيَّة القيحي من أعراض محددة مثل الحمى، صعوبة البلع، بحة الصوت، وألم في جانب واحد من الجهة الأمامية للرقبة، بالإضافة إلى احمرار الجلد فوق منطقة الغدة. فيما إذا لم يكن هناك مشكلة أخرى في الغدة، فإن معظم الأشخاص يحافظون على نشاط الغدة خلال فترة ظهور هذا الالتهاب، لكن في بعض الحالات قد يظهر قصور أو فرط مؤقت في نشاطها.
التهاب الدرقية المنسوب لريدل (بالإنجليزية: Riedel’s thyroiditis) هو نوع نادر جداً من التهاب الغدة الدرقية. يتميز هذا المرض بتحويل النسيج الطبيعى للغدة إلى نسيج ليفي كثيف. يعتمد تأثير المرض على وظيفة الغدة على نسبة الأنسجة المتحولة. ولكن في معظم الحالات، يستمر نشاط الغدة بشكل طبيعي بعد بعد الإصابة، ولكن قد تظهر حالات من القصور. بشكل نادر، قد يعاني المريض من فرط نشاط الغدة، لكن يكون ذلك غالباً ثانوياً. ومن المهم التنويه إلى أن الالتهاب قد يمتد إلى الرقبة والأجزاء المحيطة بالغدة، وقد يحدث تحسس يؤثر على الصوت أو صعوبة في البلع أو مشاكل مع الغدد جارات الدرقية.
تتواجد العديد من الاختبارات التي يمكن استخدامها لتشخيص التهاب الغدة الدرقية كما يلي:
يعتمد علاج التهاب الغدة الدرقية على نوع الالتهاب وأسبابه، بالإضافة إلى الأعراض المرافقة له. وفيما يلي بعض خيارات العلاج وفقاً للحالة:
أحدث التعليقات