التنوع الثقافي والاجتماعي في فترة الأندلس

الشعوبية في الأندلس

تعرف الشعوبية بأنها تيار فكري يتمحور حول الشعوب، وهي حركة ثقافية وسياسية فارسية تعارض العرب. وقد أثرت هذه الحركة بشكل واضح على توازن الحكم الأموي في الأندلس والمشرق العربي، حيث عُدَّ الجاحظ من أوائل المفكرين الذين تناولوا هذا الظاهرة في كتابه “البيان والتبيين”.

برزت الشعوبية كقوة مؤثرة في المجتمع العربي الإسلامي في الأندلس، وازدهرت في الربع الثاني من القرن الرابع الميلادي بعد انهيار الدولة الأموية وظهور دويلات صغيرة. تعكس أعمال عدد من الأدباء والمفكرين مثل ابن غرسية وابن مسعدة ومحمد بن سلمان المعافري وأبو محمد عبدالله بن الحسن هذه الحركة الفكرية.

مع بقاء الحكم الإسلامي في الأندلس تحت تهديد الممالك الإسبانية الساعية إلى تقويض الوجود العربي الإسلامي، شهدت الدولة الأموية انقسامًا أدى إلى ظهور ملوك الطوائف، مما ساهم في ازدياد نشاط الشعوبية.

أسباب نشوء الشعوبية في الأندلس

يمكن تلخيص العوامل التي أدت إلى بروز الشعوبية في الأندلس بالنقاط التالية:

  • انهيار الدولة الأموية وظهور ملوك الطوائف.

أدت التحديات المختلفة إلى دعوات تطالب بالتحرر من سيطرة الدولة الأموية العربية، خاصة بعد تدهور قوتها في الأندلس.

  • الثقة التي وضعها عبد الرحمن الناصر في الصقالبة.

مثل الصقالبة نخبة اجتماعية بارزة، وقد أبدى عبد الرحمن الناصر ثقة كبيرة بهم أكثر من العرب والبربر، وشاركهم في قيادة جيشه.

  • تنصير ابن حفصون.

أظهر ابن حفصون، الذي يُعتبر من أبرز معارضي الدولة الأموية في الأندلس، اعتناقه للنصرانية وسعى نحو تجميع المستعربين من النصارى لدعم الدويلات الإسبانية المناهضة للحكم الأموي، معتمدًا على دعم المولدون، محرضاً إياهم على resentment ضد السلطان من خلال تذكيرهم بالظلم الواقع عليهم من الحكام العرب.

  • بروز عدد من المثقفين المدافعين عن الشعوبية.

عملت مجموعة من الأدباء والمثقفين الشعوبيين على تأليف كتب تمجد شعوبهم وتقلل من شأن العرب، حيث قاموا بتشويه سمعة بعض الشخصيات العربية واستعرضوا الصفات السلبية للبعض الآخر.

  • دور المولدون وأسرهم.

ساهم المولدون وأسرهم في تعزيز الشعوبية في الأندلس نظرًا لأنهم كانوا يشغلون مناصب قيادية هامة في الحكم.

الأدوات الأدبية للشعوبية في الأندلس

استفادت الشعوبية من الأدب كوسيلة لنشر الفتنة والكراهية بين أبناء الأمة، وبرزت في ذلك رسالة ابن غرسية التي احتوت على هجاء للعرب واحتقار لتراثهم. وُلد ابن غرسية في عائلة من المولدون، وتواجد في بلاط مجاهد العامري، حيث كان متعصبًا لقومه ومحتقراً للعرب.

تناول في رسالته إنجازات قومه في مختلف مجالات العلم، مشددًا على فضل العجم عليهم، واختتم رسالته بمدح غير متوقع للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو ما يمكن اعتباره محاولة مموهة لإخفاء عدائه للإسلام.

قال ابن غرسية: “أحسبك أزريت وبهذا الجيل البجيل ازدريت، وما دريت، أنهم الصهب الشهب، ليسوا بعرب، ذوي أينق جرب… فلا تهاجر بني هاجر أنتم أرقاؤنا وعبدتنا،…. لكن الفخر بابن عمنا، الذي بالبركة عمنا، الإبراهيمي النسب الإسماعيلي الحسب الذي انتشلنا به الله تعالى من العماية والغواية.”

كما لجأ الشعوبيون إلى الكتابات الرمزية لمقارنة العرب بغيرهم، فتناولت أعمالهم مختلف أنواع النباتات كالأزهار والأشجار، مثل رسالة ابن برد الأصغر ورسالة أبي الوليد إسماعيل الحميري ومقامة النبهاني “الإكليل في فضل النخيل.” وقد جسدت هذه الأعمال الصراع السياسي في الأندلس، إذ أصبح الأدب الشعوبي تعبيرًا عن انتصار غير العرب على العرب، مما ساهم بشكل كبير في تراجع الدولة الأندلسية وتدهورها.

Published
Categorized as معلومات عامة