التفريق بين مفهوم الروح ومفهوم النفس

الروح والنفس

إن مسألة الروح والنفس، وتعريفهما بشكل قاطع غير ملتبس، تعد من القضايا التي حيرت جميع الأذهان. فقد أطلق الإنسان عنان تفكيره وعقله في محاولة لفهم حقيقة الروح والنفس، وما إذا كانت الروح تعادل النفس، أم أن كل منهما يمثل شيئاً متميزاً عن الآخر. ما هي طبيعة الروح؟ وما هي النفس؟ وما هو الفارق بينهما؟

الفرق بين الروح والنفس

آراء العلماء حول الروح والنفس

لقد اختلف العلماء في طبيعة الروح والنفس، كما اختلفوا في ما إذا كانت الروح تمتلك جسمًا أم لا. حيث قال النَّظَّام إن الروح هي جسم، وهي النفس ذاتها، مدعياً أن الروح حية في ذاتها، رافضًا أن تكون الحياة والقوة شيئًا غير الحي القوي. بينما أكد آخرون، مثل جعفر بن حرب، عدم معرفتهم ما إذا كانت الروح جوهرًا أم عرضًا. واستندوا إلى قوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)، حيث استخدمت هذه الآية كدليل على عدم وضوح معنى الروح، سواء كانت جوهرًا أم عرضًا. بينما قال آخرون إن الروح ليست سوى توازن في العناصر الأربعة، دون أن وجود شيء آخر في الطبيعة سوى تلك العناصر: الحرارة، البرودة، الرطوبة، واليبوسة.

ذهب بعض العلماء إلى اعتبار الروح كمعنى خامس غير العناصر الأربعة، فيما اعتبر آخرون أن النفس تمتلك معنىً ذو حدود وأبعاد، ورأى آخرون أن للنفس معنىً يفصلها عن الروح، وأن الروح تختلف عن الحياة، معتبراً أن الحياة هي عرض، حيث أشار أبو الهذيل إلى إمكانية أن يفقد الشخص نفسه وروحه أثناء نومه، دون أن يفقد الحياة، مستنداً إلى قوله تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا). وأشار جعفر بن حرب إلى أن النفس عبارة عن عرض من الأعراض موجودة في الجسم، تعين الإنسان على الفعل، كالصحة والسلامة، وأنها ليست مرتبطة بصفات الأجسام والجواهر، وهو قول الأشعري.

يدّعي جانب من العلماء أن النفس تشبه النسيم الذي يتنفسه الإنسان، في حين أن الروح تُعتبر عرضًا وحياةً بحد ذاتها. إضافة إلى ذلك، قال أبو بكر الباقلاني إن الروح مختلفة تمامًا عن النفس في طبيعتها. في المقابل أكدت مجموعة أخرى أن النفس ليست جسمًا ولا عرضًا، بل هي كيان غير محدد، لا تمتلك طولًا ولا عرضًا ولا عمقًا، وأنها لا تتجزأ أو تقيد بمكان.

التساوي بين النفس والروح

حسب حجة ابن حزم، فإن غالبية علماء الإسلام ينظرون إلى النفس كجسم طويل وعريض وعميق موجود داخل الجسد، حيث يراها كمسؤول عن إدارة الجسم، ويعتبر الروح والنفس كلمتين مترادفتين تعبران عن معنى واحدٍ. كلاهما جسم نوراني وعُلوي وخفيف، ينبعث في كل عضو من الأعضاء مثل المياه في الورود.

حالة الروح عند انفصالها عن الجسد

عندما يُفسد الجسد وتفقد أعضاؤه القدرة على استقبال الأثر، تترك الروح الجسد لتنتقل إلى عالم الأرواح. وأدلة على ذلك تتمثل في:

  • قوله تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا…)، حيث يبين ذلك الوفاة والإمساك بنفس الموتى.
  • قوله تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ…)، يُشير إلى بسط الملائكة أيديهم لأخذ الأنفس.
  • قوله تعالى: (…وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ…) ، يتحدث عن تقبض الأرواح وأخذها في حالات الموت.
  • قوله تعالى: (يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ…)، والذي يقدم دليلاً على العودة والرضا.

الروح في القرآن الكريم

ذُكرت كلمة الروح في القرآن الكريم في أربعة مواضع، هي:

  • في سورة الإسراء: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ…)، حيث وُجهت هذه الآية للرد على سؤال اليهود عن الروح ووضحت بأنها من أمر الله.
  • في سورة الشعراء: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ)، حيث تُشير إلى جبريل عليه السلام.
  • في سورة غافر: (…يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ…)، حيث تعبر عن الوحي بالرسالة ومعناه بالنسبة للبشرية.
  • في سورة النبأ: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ…)، تشير إلى جبريل كأعلى الملائكة مقامًا يوم القيام.

النفس في القرآن الكريم

كما ذُكرت كلمة النفس والأنفس في القرآن الكريم في عدة مواضع، منها:

  • في سورة الزمر: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا…)، واستند عليها مفسرون في شرح أهمية الروح والنفس كوحدة واحدة.
  • في سورة الفجر: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ…)، تخاطب النفوس المطمئنة بالعودة إلى مواقعها الأصلية.
  • في سورة آل عمران: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)، حيث يؤكد على حقيقة الموت لكافة مخلوقات الله.
  • في سورة يوسف: (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ…)، تشير إلى الصراع الداخلي والمعايير الأخلاقية.
Published
Categorized as معلومات عامة