التفريق بين الصبر العادي والصبر المتميز

الفرق بين الصبر والصبر الجميل

جاء في كتاب الله -عز وجل- عن نبي الله أيوب -عليه السلام- قوله: (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)، كما ورد عن نبي الله يعقوب -عليه السلام- حينما اتهمه أبناؤه بوفاة يوسف -عليه السلام- على يد الذئب: (وَجاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَل سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ).

وعندما بلّغوه بأن ابنه الآخر قد سُرق وتم حبسه في مصر، رد قائلاً: (قَالَ بَل سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِم جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ). في السطور التالية، سوف نوضح معاني الصبر والصبر الجميل والاختلاف بينهما:

  • الصبر

في اللغة، يُعرف بأنه حبس النفس عن الخوف والجزع. أما اصطلاحاً، فإن الصبر يُعتبر من الأخلاق الفاضلة التي يتحلى بها المسلم، والتي تمنعه من القيام بأفعال غير محمودة؛ وهو قوة تعزز من صلاح النفس وتساعد في استقرارها.

  • الصبر الجميل

هو ذلك النوع من الصبر الذي يُمارس دون الشكوى، كما يظهر في صبر المريض على ألمه دون أن يتذمر لأحد، أو صبر الفرد على الفراق نتيجة الموت أو الغربة دون أن يدعو للشكوى. ولكن الشكوى إلى الله سبحانه وتعالى تبقى مسموحة، ولا تتعارض مع مفهوم الصبر الجميل.

وذلك استنادًا إلى قول نبي الله يعقوب -عليه السلام-: (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ). لذا فإن الشكوى لله تعالى لا تُعتبر من الشكوى التي تتناقض مع مفهوم الصبر الجميل.

يتجلى الصبر في عدم جزع الإنسان أو عدم سخطه على أقدار الله، بل يسلم لما كتبه الله عليه، ويقوم بالواجبات المترتبة عليه راضيًا ومحتسبًا، فلا يلجأ للشكاوى بسبب ما كتبه الله عليه، حيث يعرف المؤمن أن كل ما يحدث له هو خير.

أنواع الصبر

الصبر مصطلح شامل ويمتد على ثلاثة أنواع رئيسية، وهي:

  • الصبر على طاعة الله، وذلك من خلال الالتزام بالعبادات.
  • الصبر عن معصية الله، وامتناع الفرد عن ارتكابها.
  • الصبر على أقدار الله سبحانه وتعالى.

مثال على الصبر الجميل

عندما جاء أبناء يعقوب -عليه السلام- ليخبرونه بفقدان يوسف -عليه السلام- بطريقة لا تنم عن ذكاء؛ حيث ذكروا له أن الذئب قد افترس يوسف، بينما هو كان قد أبدى لهم تخوفه على ابنه في السابق.

وفي مثل هذه الظروف، من المتوقع أن يشعر الوالد بالغضب؛ لكن يعقوب -عليه السلام- فوض أمره لله بصبر، ولم يشكو حاله إلا لله وحده، وهذا هو الصبر الجميل الذي يحبه الله ويثيب عليه بإحسان.

الصبر في الأحاديث النبوية الشريفة

يروى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرّ بامرأة تبكي عند قبر فقال لها: “اتقي الله واصبري”. فردت عليه: “أنت لم تُصاب بمصيبتي ولا تعرفه”، وعندما قيل لها إنه النبي، اتجهت إلى بابه ولم تجد عنده حراسًا، فقالت: “لم أعرفك”، فرد قائلاً: “إنما الصبر عند الصدمة الأولى”.

من المعروف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد بكى بسبب فقد ابنه، وكان يريد من المرأة أن تتذكر أن لا تجزع ولتتقِ الله، ولا تثور غضبًا ضد قضاء الله وقدره. ومع ذلك، لم تتصرف بالعقل، وبدت كلماتها غير لائقة مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، مما يدل على عمق حزنها وافتقارها للمعرفة به.

وهذا الوضع يُظهر مدى حزنها العميق على وفاة ابنها، بالإضافة إلى عدم معرفتها بأنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وعندما علمت من هو، جاءتها الاعتذارات؛ فقال لها: “إنما الصبر عند الصدمة الأولى”، وهي حكمة لا يُوفق إليها إلا المؤمن الذي يُعلق قلبه بالله ويؤمن بالثواب في الآخرة.

Published
Categorized as معلومات عامة