تستند معرفة الحلال والحرام فيما يتعلق بالطعام إلى قوله -تعالى-: قُل لا أَجِدُ في ما أوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلى طاعِمٍ يَطعَمُهُ إِلّا أَن يَكونَ مَيتَةً أَو دَمًا مَسفوحًا أَو لَحمَ خِنزيرٍ فَإِنَّهُ رِجسٌ أَو فِسقًا أُهِلَّ لِغَيرِ اللَّـهِ بِهِ فَمَنِ اضطُرَّ غَيرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفورٌ رَحيمٌ
. وقد ورد ذكر الطعام في القرآن الكريم في أربعة مجالات رئيسية؛ الأولى: تشير إلى كل ما يؤكل، مثل قوله -تعالى-: فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا
، وأيضاً الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ
. الثانية: تحيل إلى الأسماك، كما في قوله -عز وجل-: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ
، والثالثة: تتعلق بالذبائح، كما هو مذكور في قوله -تعالى-: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ
، واستُشهد أيضاً بقوله: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا
، والذي يشمل شرب الخمر قبل تحريمه.
وقد أباح الله من الطعام ما هو طيب ومقبول لدى النفس البشرية، كما في قوله -تعالى-: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ
. ويشير الطيب في هذه الآية إلى ما تم اعتباره طيبًا ومرغوبًا به. وذكر -تعالى- أيضاً: وَنُفَضِّلُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ
، حيث فسر سعيد بن جبير الآية بقوله: “توجد أرض واحدة تحتوي على الخوخ والكمثرى والعنب الأبيض والأسود، ومن بعضها يكون أكثر حملًا من الأخرى، وبعضها حلو وبعضها حامض، وبعضها أفضل من الآخر”. وبالتالي، تعتبر الثمار والحبوب من أوسع وأطيب الأطعمة. وتوضح التشريعات أن الطيبات التي أباحها الله -تعالى- هي أكثر كثيرًا مما حرم، حيث إن معظم التحريمات جاءت لأسباب ظرفية أو كانت ضرورة، كما في حالة الميتة التي حرمت بشكل دائم، بينما يترخص بها في حالة الاضطرار.
ينبغي الإشارة إلى أن الأصل في الأطعمة والمشروبات هو الإباحة، والتي تنقسم إلى ثلاثة أنواع؛ أولاً: النباتات، بما في ذلك الحبوب كالأرز والقمح أو الخضار والفاكهة، فجميعها حلال. ثانياً: الحيوانات البحريّة والبريّة والطيور؛ فهي حلال إلا ما استثني بشكل واضح. ثالثاً: السوائل، كالماء والعسل والحليب، وهي أيضاً حلال إلا ما استثني. قال -تعالى-: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
. لنستعرض تفصيل الأطعمة كما يلي:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا، ولا يوجد حرمة في تناولها إلا إن كان فيها ضرر كالحصى والتراب والسموم وما شابه، أو إذا كانت مسكرة أو نجسة.
ذُكرت العديد من أنواع الفاكهة والنباتات في القرآن، ومعظم ذلك في سياق الحديث عن الجنة، ونعيمها وطعام أهلها، ومن ذلك ما طلبه بنو إسرائيل كما جاء في قوله -تعالى-: وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ
، وقوله -عز وجل-: يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
، وغيرها من الآيات.
تشمل الأشربة كل ما يتساقط من السماء أو ينبع من الأرض، أو ما يتم عصره من الثمار أو الزهور وما شابه، فتعتبر جميعها حلالاً. جاء في قوله -تعالى-: وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً
. يُستثنى من ذلك ما جاء في نص صريح يوضح تحريمه. تتعدد أنواع الأشربة الحلال، كالماء والزنجبيل والسمن والزيت والزعفران والقهوة والشاي والعصير والخل والنعناع، وغيرها من السوائل التي خلقت لتحقيق مصلحة الإنسان، وقد أكد الله على تناولها بلا إسراف، كما قال -تعالى-: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ
.
بينما تُصنف الأشربة المحرمة كل ما هو خبيث أو ضار أو نجس أو مسكر أو سام أو مهلك، فمن يجمع هذه الصفات أو إحداها يُعتبر محرمًا. ومن بينها الخمر، حيث قال -تعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
. أمثلة من الأشربة المذكورة في القرآن.com: العسل، في قوله -تعالى-: يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ
، مما يدل على تنوع ألوانه. كما وذُكر الماء في آيات كثيرة، منها قوله -تعالى-: وَجَعَلنا مِنَ الماءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤمِنونَ
، وأيضًا أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ
. ومن الأشربة أيضاً: اللبن، حيث قال -تعالى-: وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ
.
ينعم أهل الجنّة بما طاب من الطعام وكل ما لذ من أنواع الفاكهة واللحوم وغيرها مما لم تره عين ولم تسمع عنه أذن ولم يخطر على قلب بشري قبلاً. يُطاف بأهل الجنّة بصحافٍ من الذهب والفضة، وقد أعدّ الله لهم ما تشتهي الأنفس من أكلٍ وشربٍ، حيث قال -تعالى-: وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ
، وأيضًا: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ
، كما قال: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِي الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
.
كما أباح الله -تعالى- لأهل الجنة الأكل مما في الجنة من خيرات وألوان من الطعام والشراب، مما يشتهي النفس. الفاكهة في الجنة دائمة ليست مقطوعة عن أحد ولا محددة بزمن، يقول -تعالى-: عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ
، وأيضاً: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ
. يوجد في الجنة جميع أنواع الفواكه، ومن المعروف وغير المعروف للبشر، حيث تبقى معلقة في أشجارها بالقول -تعالى-: وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً
، وكذلك مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ
.
وصف الله -تعالى- شراب أهل الجنّة في عدة آيات، منها قوله -تعالى-: إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّـهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا
. ويعني بذلك أنهم يشربون من كأسٍ مليء بشيء طيب المذاق ورائحته كالكرامة، كما يُضاف للشراب لذة. وقد جاء أيضاً في قوله -تعالى-: يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ مِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ
. يتميز شراب أهل الجنة بمزايا خاصة، حيث تكون مكوناته مختلفة ومميزة من حيث المذاق.
وتمت الإشارة إلى الزنجبيل بأنه مما تفضله العرب، وكذلك وعد الله -تعالى- أهل الجنّة بعينٍ تُسمّى سلسبيلاً، ويستطيعون شرب ما لذّ وطاب من أنهار الخمر، والعسل، والرحيق المختوم، والماء، واللبن. قال الله -تعالى-: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ
. وأيضاً ذكر الله -تعالى-: وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا
، وأيضاً: وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا
.
أحدث التعليقات