عند قراءة آيات سورة البقرة، نجد العديد من الآيات التي تحمل معاني عميقة قد تستدعي التأمل، مما يدفعنا لاستكشاف تفسيراتها. ويظهر من خلال ذلك جمال البلاغة والفصاحة في القرآن، لذا نقدم فيما يلي أبرز الصور الفنية الواردة في الأجزاء الأخيرة من السورة، وخصوصًا من الآيات 200 إلى 275.
يتجلى بوضوح جمال التصوير في قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ۗ فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ}.
وفي هذه الآية، يظهر نوع من التشبيه يتسم بالإيجاز والإرسال، حيث يتمثّل المشبه في ذكر الله، بينما المشبه به هو ذكر الآباء. تستخدم الأداة “الكاف” بشكل ضمني، ويفترض وجه الشبه أن يكون مرتبطًا بشدة العاطفة في ذكر الآباء، وأهداف هذا التشبيه هي تأكيد أهمية ذكر الله بما يوازي أو يفوق ذكر مفاخر الآباء.
يتجلى جمال التعبير في قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ}.
هنا، يظهر التشبيه من خلال عبارة “قل هو أذى”، وهو تعبير بليغ في مجمله؛ إذ تم حذف أداة التشبيه ووجه الشبه. هنا، يمثل الضمير “هو” الحالة المحورية للمحيض، والمشبه به هو الأذى، مع حذف الأداة ووجه الشبه، مما يوحي بالضرر. ويهدف هذا التشبيه إلى وصف حالة المحيض وكيف يمكن أن يؤثر سلبًا على النساء، إذ يشعرن بما قد يشعر به المريض من معاناة.
يتجلى جمال التعبير في قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}.
تم يتضمن هذا التشبيه القوي بين النساء والحرث، حيث تم حذف الأداة ووجه الشبه، ويهدف إلى توضيح أهمية النساء في حياة الرجل كمصدر للزراعة والإنتاج، مما يعكس مكانتهن النبيلة.
يتجلى جمال التعبير في قوله تعالى: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.
وتعرض هذه الآية لنوع من التشبيه التمثيلي، حيث يوضع المذكورون في إنفاق أموالهم في سياق يشبه الحبة التي تنتج سنابل متعددة. ويهدف هذا التشبيه إلى الإشارة إلى الأجر العظيم الذي ينتظر من ينفق في سبيل الله، مما يعكس قوة العطاء وإنتاجيته.
يتجلى جمال التصوير في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا}.
في هذه الآية، يتم استخدام التشبيه التمثيلي ليقارن آكلي الربا بأولئك الذين يتخبطهم الشيطان، مما يبرز التأثير السلبي لهذا الفعل. ويعكس هذا التشبيه حالتهم يوم القيامة، حيث يُصوّرهم كمن يعيش حالة من الجنون والارتباك، مما يؤكد أن الجزاء يكون من جنس العمل.
تخاطب الصور الفنية في القرآن الكريم الكينونة الإنسانية بما فيها من عقل ووجدان. لقد تم تقسيم أنواع الصور إلى فئتين رئيسيتين، هما:
تشمل الصورة البلاغية كالتشبيه، الاستعارة، الكناية، المجاز المرسل والمجاز العقلي، وهي الأنواع البلاغية التي اعتاد المفسرون على تصنيفها.
تعتبر هذه الصورة أعم وأشمل، حيث تتضمن مشهدًا كاملًا، فالكلية، والصورة المركزية، التي تمثل المرجع لكل صور السياق، مما يجعل مفهوم الصورة مجالًا أوسع لتحقيق وظائفه الدينية. وتعتمد هذه الأنواع على نظام العلاقات التواصلية بينها، حيث تنمو الصورة المفردة في السياق لتصبح جزءًا من الصورة الأكبر، مما يساهم في التفاعل الديناميكي للمضمون.
أحدث التعليقات