يمتاز المتنبي عن غيره من الشعراء بأسلوبه الفريد الذي يخلع على قصائده رونقاً خاصاً، مما جعله رمزاً من رموز الشعر العربي. اتبع في قصائده طريقة مميزة في التعبير، ومن بين أساليبه الفنية البارزة هو استخدام التشبيه، الذي سنتناوله بالتفصيل في هذا المقال عبر موقعنا.
لقد عُرف المتنبي بتقديم تشبيهات بلاغية استثنائية، وصفها بعض النقاد بأنها تخرق العقول. فقد كانت تشبيهات المتنبي متنوعة، ما بين تشبيهات مفردة وبلاغية ومركبة، مما ساهم في تجسيد الأفكار والمعاني التي أراد إيصالها. ومن الأمور التي تثير الانتباه في شعره أنه كان يسعى دوماً لتجنب التشبيهات المألوفة، كما يتجلى ذلك في قوله:
أَظَبيَةَ الوَحشِ لَولا ظَبيَةُ الأَنَسِ** لَما غَدَوتُ بِجَدٍّ في الهَوى تَعِسِ.
تشتمل الخصائص الفنية في شعر المتنبي على جوانب بلاغية ولغوية، والتي سنستعرضها فيما يلي:
يعد أسلوب الإشارة من أبرز خصائص شعر المتنبي، حيث اشتهر العديد من شعراء العصر العباسي، مثل أبي تمام، باستخدام هذا الأسلوب. تظهر هذه الأساليب في دواوينه، كرسالة في مدح عبد الله بن يحيى البحتري، حيث يقول:
أذا الغُصْنُ أم ذا الدِّعصُ أم أنتِ فتنةٌ** وذَيّا الذي قَبّلتُهُ البَرْقُ أمْ ثَغرُ
حيث تكررت كلمة “ذا” مرتين في هذا البيت.
حظي المتنبي أيضًا بشهرة واسعة في استخدام أساليب النداء في قصائده، ومنها قوله:
يا أعدَلَ النّاسِ إلاّ في مُعامَلَتي** فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخصْمُ وَالحكَمُ.
وكذلك في قوله:
فيا ابنَ الطّاعِنينَ بكُلّ لَدْنٍ** مَواضعَ يَشتَكي البَطَلُ السُّعالا.
ويا ابنَ الضّارِبينَ بكُلّ عَضْبٍ** منَ العَرَبِ الأسافِلِ والقِلالا.
يمتاز شعر المتنبي بكثرة استخدام الضمائر، مشابهاً في ذلك النهج الصوفي، ومثال ذلك:
عجبتُ منك و منـّـي** يا مُنـْيـَةَ المُتـَمَنّـِي.
أدنيتـَني منك حتـّـى** ظننتُ أنـّك أنـّــي.
كما يظهر في قوله:
وَتُسْعِدُني في غَمرَةٍ بَعدَ غَمْرَةٍ** سَبُوحٌ لهَا مِنهَا عَلَيْهَا شَوَاهِدُ.
ويُعرف عن المتنبي استخدامه المتكرر للضمير “أنا”، مما يعكس ثقته بنفسه وفخره، مثل قوله:
أنا صَخْرَةُ الوادي إذا ما زُوحمَتْ** وإذا نَطَقْتُ فإنّني الجَوْزاءُ.
يظهر التصغير بكثرة في دواوين المتنبي، وقد استخدمه لأغراض مختلفة، سواء للتقليل من شأن الأعداء أو للمدح، كما يتضح في قوله:
أفي كلّ يوْمٍ تحتَ ضِبْني شُوَيْعِرٌ** ضَعيفٌ يُقاويني قَصِيرٌ يُطاوِلُ.
أو للتعبير عن اللطف والتعظيم كما في قوله:
أُحادٌ أمْ سُداسٌ في أُحَادِ لُيَيْلَتُنَا المَنُوطَةُ بالتّنادِي.
كما يلاحظ وجود كثير من الشواذ النحوية والغرائب اللفظية في شعر المتنبي، حيث يتعمد استخدامها لعرض مهاراته اللغوية، وهذا ما أشار إليه ابن جني.
تعتبر قصائد المتنبي تجسيداً لشخصيته الفريدة ومواقفه الحياتية، حيث يُظهر مهارة استثنائية في اختيار الألفاظ التي تعكس مقاصده. وقد استخدم كلمات مثل (ترج، تهجم، تتقدم، تقهر) لتثري نسيج شعره.
هدف المتنبي إلى خلق أسلوب مميز في الشعر يختلف عن التقليدي، واستطاع صياغة حكمة فريدة في قصائده التي مدح فيها سيف الدولة الحمداني، حيث عبر عن حبه الكبير له وخصاله الرائعة، وتميزت مقدمات تلك القصائد بجمال وبراعة استخدام المحسنات البديعية.
ظهر ذلك جلياً في قوله:
على قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ
وبهذا، نكون قد تناولنا في مقالنا التشبيه في شعر المتنبي واستعرضنا الخصائص الفنية فيه، بما في ذلك استخدام أساليب الإشارة، والنداء، واستخدام الضمائر، والشواذ النحوية، فضلاً عن خصائصه اللغوية.
أحدث التعليقات