تناولت هذه الثنائية المناهج المتبعة في البحث اللغوي وطرائق دراستها. وقد قام سوسير بتقسيم دراسة اللغة إلى منهجين رئيسيين هما التزامن والتعاقب. فالتزامن يعكس دراسة اللغة في فترة زمنية محددة دون مراعاة الزمن أو التغيرات التي قد تطرأ عليها في الفترات اللاحقة أو ما نتج عنها من تحولات في الفترات السابقة. وتطلق على هذا المفهوم عدة تسميات مثل التزامنية، الآنية، الوصفية، التعارضية، السكونية، والتواقتية.
في حين يعني التعاقب دراسة اللغة عبر الزمن بهدف توثيق التغيرات التي حدثت والبحث في العوامل التي أدت إلى تلك التغيرات، وصولًا إلى فهم الشكل النهائي للغة. تشمل هذه الدراسة كافة المستويات اللغوية كالجانب الصوتي، الصرفي، النحوي، المعجمي، والدلالي، وتعرف أيضًا بمسميات مثل الزمانية، التاريخية، والتطورية.
تعتبر هذان المنهجان الأساس وراء تشكيل اللسانيات الحديثة، حيث مارست الدراسة الوصفية (السكونية) نوعًا من التجرد دون التمييز بين مستويات اللغة الفصحى وغيرها، وهو ما يعد أساسيًا في اللسانيات المعاصرة. بينما ركزت الدراسة التاريخية (التعاقبية) على اللغات العامية باعتبارها وريثة اللغة الفصحى، مما يعكس شكلًا من أشكال تطورها.
ظهرت نظرية داروين عن تطور الأنواع، مما كان له تأثير كبير على مجموعة من العلوم بما فيها علم اللغة. فقد نُظِر إلى اللغة ككائن حي يتطور مثل سائر الكائنات الحية. كما تعكس نظرية داروين والمراحل التطورية التي تمر بها الحيوانات نفس الفكرة على اللغة، مما يشير إلى قابليتها للتطور والتغيير.
وعلى الرغم من أن دي سوسير كان يسعى لتناول دراسة اللغة كموضوع مستقل بعيدًا عن التأثيرات الخارجية، إلا أنه لم يتمكن من تجنب النزعات الخارجية. فقد تأثرت دراساته بالفلسفة وكذلك بنظرية داروين دون وعي، مما أفضى به إلى تبني فكرتي تطور اللغات والعرضية فيها، وهما فكرتان مستلهمتان من مبدأي نظرية داروين (تطور الأنواع والاختيار الطبيعي).
أما التأثير على مستوى المناهج اللغوية، فقد تجلت هيمنة منهجين في دراسة اللغة خلال فترة معينة: الأول هو المنهج التاريخي الذي يركز على التغيرات اللغوية مع إيلاء الاهتمام للأصول والنشأة، مما دفع الباحثين للبحث في شجرة اللغات وإيجاد اللغة الأم التي انحدرت منها جميع اللغات. وقد أدى هذا المنهج إلى ظهور عدة مناهج لدراسة اللغات، ومنها:
الذي يتناول دراسة الفروقات والتشابهات بين اللغات التي تتشارك في الأصول، مثل اللغات السامية مثل العربية والعبرية.
الذي يركز على دراسة لغتين من عائلتين لغويتين مختلفتين، مثل اللغة الإنجليزية التي تنتمي إلى العائلة الهندوأوروبية ولغة العربية من العائلة السامية.
الذي يقوم بجمع المادة اللغوية ثم يستخرج منها القواعد اللغوية.
أثَّر كتاب عالم اللسانيات فردينان دي سوسير (محاضرات في اللسانيات العامة) بشكل ملحوظ على البحث اللغوي، حيث اعتبر مقدمة للدراسات اللغوية الحديثة أو ما يعرف بـ اللسانيات. وقد قام سوسير بابتكار تقسيمات ثنائية لمصطلحات اللغة وبحوثها، ومن بين هذه الثنائيات تبرز ثنائية التزامن والتعاقب.
أحدث التعليقات