البنية السردية في رواية “زينب” وتأثيرها على تطور الحبكة

الزمن في رواية زينب

تميز الروائي محمد حسين هيكل بتنوعه في استخدام الأزمنة، حيث يمثل الزمن الخارجي الذي تعيشه زينب معظم وقتها وعملها في المزرعة، بينما يظهر الزمن الداخلي الذي يُسيطر على معظم الشخصيات والأحداث، الزمن الذي تلجأ إليه زينب للهرب من واقعها إلى ذكرياتها، حيث تجد السعادة والسكينة. يمكن تلخيص الزمن السردي في الرواية كما يلي:

الزمن الحاضر

تعيشه زينب كفتاة فلاحية بسيطة تُساعد والدتها في الأعمال المنزلية، ثم تقضي وقتها في العمل بالمزرعة. وتعبر عن ألمها وقهرها النفسي بسبب اضطّرارها للزواج، مما أدى إلى تفاقم مرضها.

“تتابعت الأيام تفنى واحدة تلو الأخرى، وكل يوم يمر يزيدها شجنًا ورغبةً في الوحدة، فإذا ما خلت إلى نفسها تهب للبكاء حتى تذهل عن نفسها وعن الوجود، وتبدأ تشعر بوحدة فظيعة تتزايد مع مرور الأيام، ولا تجد في مخلوق ما يؤنسها”.

الزمن الماضي

يظهر بكثرة على لسان الشخصيات في الرواية، حيث تتجلى الذكريات والآمال؛ فهو الزمن الذي بدأت فيه زينب أولى علاقاتها حتى تزوجت بحسن. ويكثر الزمن الماضي في الرواية بحثًا عن الأمان والفرح والهدوء النفسي.

“فكلما مرت تحت الأشجار الجميلة بأوراقها الزاهية وزهورها، وسمعت أغاني الطيور الفرحى، شعرت بدائم في قلبها صوتًا يناديها ويذكرها بماضي أيامها”.

تقنيات الزمن في رواية زينب

استخدم الكاتب تقنية تسريع السرد، ويكون ذلك إما بالتلخيص أو الحذف، مثل المرور السريع على فترات زمنية طويلة، أو تقديم عام للمشاهد وربطها، أو عرض شخصية جديدة، مع الإشارة السريعة إلى الثغرات الزمنية وما وقع بها من أحداث، وذلك دون التأثير على سير وتطور الأحداث في النص.

“والابن في عمله نادراً ما يخطر له هذا الأمر، وإن جاء إلى نفسه يذكر أن من ورائه من يفكر فيه، أو أمل له بعض الآمال، ثم ما أسرع ما ينساها! وهكذا ظلوا جميعًا.. ثم جاء الصيف”.

من جهة ثانية، استخدم تقنية تبطيء السرد من خلال حركة المشهد أو الوصف، حيث يُطلق عليها (الاستراحة)، وإعتماد مقاطع طويلة مُقابلة لفترات زمنية قصيرة، مما يُؤدي إلى اختزال الزمن وتلخيصه، مما يضفي الحيوية على السرد ويظهر الشخصية نفسها في الرواية.

“وبعد أيام التقيا، فأحست بكل سعادة، وصارت تجد في كل نظرة من نظرات إبراهيم أعظم السعادة”.

المفارقات الزمنية في رواية زينب

استمرت زينب وعائلتها في صراع مع الزمن بسبب زواجها من حسن، وما تعانيه من ألم نفسي وجسدي، وكانت المفارقات الزمنية كما يلي:

الاسترجاع

رفض زينب لشريك حياتها، مما دفعها للعودة إلى الماضي، سواء في حالتها الطبيعية أو على فراش المرض، تعيد استحضار ماضيها منذ معرفتها بإبراهيم، وكيف كانت علاقتهما معًا، وتأثير ذلك على نفسها وسلوكها حتى انتقلت إلى رحمة الله.

“وتجاهد لتفصل بكلمة أخيرة نابعة من إرادة ثابتة كل صلة بينها وبين إبراهيم، فتسمع كصوت داخلي يسألها: (وهل تستطيعين؟)، وتتخيل حبيبها يقف بجانبها مبتسمًا، ويقترب منها قائلاً: (أنا أحبك)”.

الاستباق

تعني الاستشراف، حيث تتقدم الحركة الزمنية في الرواية وتطورها، مما يؤدي إلى تسلسل الأحداث بطريقة منظمة. ويتم تحقيق ذلك من خلال أربع تقنيات: التلخيص، الحذف، المشهد والوصف، فهو الزمن الذي يتميز بحركته المتقدمة إلى الأمام ولا يعود إلى الوراء أبداً.

“وإبراهيم لم يكن أقل منها انشغالًا، يجاهد ما استطاع لكبح مشاعره، ويعمل على إخفاء كل ما يدور في نفسه، ويبث بصره كلما مرت بجواره، وأخيرًا عزم على أن يبوح لها بحبه كلما سنحت له الفرصة في انفراد به”.

المكان في رواية زينب

يمثل المكان عنصرًا أساسيًا في الرواية، حيث يصور لنا هيكل الحياة في الريف المصري ببساطتها وعادات سكانه وتقاليدهم، وما يتعلق بهذه العادات من إيجابيات وسلبيات تتماشى مع المجتمع المصري تارةً وتعارضه تارةً أخرى، بجانب ما انتشر بينهم من اعتقادات ومفاهيم خاطئة بشأن الجن والشياطين.

عبر الكاتب عن الواقع المصري بدقة، معبراً عن رفضه لهذا الواقع خاصة ما يتعلق بحق المرأة وحريتها في اختيار شريك حياتها. كان يتحدث بلسان المرأة، مدافعًا عنها في ظل الظروف الاجتماعية في الريف المصري آنذاك. ويمكن تلخيص الفضاءات المكانية في الرواية كما يلي:

الفضاءات المغلقة

أشار الكاتب إلى بعض الأماكن المغلقة، ومنها:

القرية

تُعتبر القرية ملاذًا بعيدًا عن الفوضى، حيث السكينة وجمال الطبيعة، لذا تأتي عزيزة إلى القرية، وكذلك حامد مع إخوته، حيث يُعجب بهذا المكان بما يحتويه من مزارع، ويصبح الذهاب إليها عادة لديه، حيث يبدأ العمل إلى جانب الفلاحين.

“استحسن حامد المزارع عندما شاهد جمالها؛ إذ جعلته النباتات والأشجار والهواء الحر والعمل الجاد يدمنون زيارتها كل يوم في أوقات الظهيرة”.

البيت

يمثل البيت المكان الذي يُعبّر فيه الأفراد عن آرائهم ومعتقداتهم، حيث يمارسون حرياتهم بدون قيود. فهو يوفر لهم السكينة والأمان، حيث يمنح السيد محمود أفراد عائلته الحرية التامة، ولا يتدخل في شؤونهم إلا في حالة شعوره بخطر قريب منهم، “فيما يتعلق بتربيتهم، كان الأقرب إلى تركهم للعيش بحرية”.

الفضاءات المفتوحة

اختار الكاتب الريف المصري مكانًا مفتوحًا بعيدًا عن ضجيج المدينة، حيث تجتمع الشخصيات في جو من الراحة والهدوء. تناول هذه القضية الاجتماعية ضمن الطبيعة الريفية، مُشيرًا إلى التناقض بين جمال الطبيعة ومحنة الإنسان، مما يعكس أيضًا حبه لوطنه ورغبته في تغيير المفاهيم الخاطئة.

“وأصبحوا جميعًا في بلدهم الصغير المحبوب، يحيط بهم الأفق ويرقصون تحت شمسه الساطعة وسمائه الصافية، حيث تبرز المزارع محاطة بالقطن الضاحكenc”.

الشخصيات في رواية زينب

تتوزع الشخصيات إلى رئيسية (زينب، حامد) وثانوية (إبراهيم، حسن، عزيزة، السيد محمود، خليل، والد زينب ووالدتها)، حيث لعبت زينب الدور الأبرز في الرواية، فقد بدأت بها وانتهت حياتها بموتها.

“ها هي زينب في تلك المرحلة، تنظر إلى الطبيعة بعين العاشق، فتغض طرفها خجلاً، وترفع جفونها قليلاً لترى مقدار جمالها، ثم تخفضها مرة أخرى، وقد ارتسم السرور على وجهها، إضافةً إلى جمالها، مما زاد من تعلق الوجود بها”.

أسهم التنوع في الشخصيات في تطوير الأحداث، إذ لم تكتمل أدوار الشخصيات في الرواية إلا بوجود الزمن والمكان، إذ يمنح هذان العنصران فصولاً متسلسلة مليئة بالأحداث، ولا يمكن أن تتطور الأحداث بغيابهما.

الشخصيات المحورية

قد تم ذكر الشخصيات المحورية في الرواية على النحو التالي:

  • زينب

تبدأ الأحداث بها وتنتهي بوفاتها، فقد تمتعت زينب بجمال خاص، مما جعل حامد وإبراهيم، وأخيرًا حسن، يُفتتنون بها. كانت زينب أقرب إلى الفتاة الغربية، حيث تمتعت بقدر كبير من الحرية لم تحظَ به نظيراتها، “وكادت زينب تصل إلى هذه النقطة أمام نفسها، لترجع باحثة عن إبراهيم الذي كان يبحث عنها فتبتعد عنه”.

  • حامد

أكبر أبناء السيد محمود، وقد حظي برعاية والده حتى أصبح يتحكم بتصرفاته، وكان حامد معروفًا بحبه لوطنه وللضيافة، على خلاف إخوته الذين يفضلون التنقل بالمزارع.

الشخصيات الثانوية

تعددت الشخصيات الثانوية كما يلي:

  • إبراهيم

يتولى شؤون الفلاحين ومسؤول عنهم، لم يتزوج زينب لكنه ترك أثرًا عميقًا في حياتها قبل مغادرته للخدمة العسكرية.

  • حسن

شخصية بسيطة من عائلة غنية تزوّج زينب بموافقة والديها، ويعمل في إحدى المزارع في قريته.

  • عزيزة

ابنة عم حامد، ويقع في حبها لكن لا تنجح علاقته بها. تأتي إلى القرية من حين لآخر للهروب من فوضى المدينة.

  • السيد محمود

والد حامد، يعد من كبار رجال القرية وشيوخها، وهو شخصية طيبة غير معقدة، حيث أعطى الحرية التامة لأبنائه.

  • خليل

والد حسن، من كبار رجال القرية وشيوخها، وساهم في زواج ابنه بزينب الفلاحة.

  • والد زينب ووالدتها

كانا مصدر الدعم في تربية زينب حتى أصبحت فتاة كبيرة، وكانا السبب في تزويجها من حسن، وحين أصيبت بالسعال قدموا لها الرعاية.

لغة السرد في رواية زينب

قام هيكل بمزج الفصحى بالعربية الدارجة في الرواية، حيث اعتمد أكثر على العامية لتناسب الشخصية الفلاحية. إن اللجوء إلى الوصف بألفاظ عامية لا يعني بالضرورة عجزه اللغوي، بل هو يعبر عن الحاجة للتعبير ولتلائم اللغة مع البيئة الريفية والشخصيات فيه.

إلا أن هناك بعض الكلمات التي يصعب استبدالها بلفظ آخر؛ على سبيل المثال استخدم كلمة “أغلت” الشائعة بين الفلاحين وتعني الحصى الذي يختلط بالقمح، أيضًا عبارة “بوريهم شغلهم” والتي لا يمكن اتهامه بعدم قدرته على تحويلها إلى لغة فصحى.

“وتبادل الجميع (صباح الخير)، ثم خرجوا من الدرب إلى شارع البلد، ومن ثم إلى شارع الوسط، وهكذا كانوا عند (نمرة) 20 في ساعة مرور بخاري الصباح”.

الرؤية السردية في رواية زينب

تُعتبر الرؤية السردية واحدة من أهم مكونات الخطاب في الرواية، حيث تُظهر الطريقة التي اتبعها الكاتب في سرد قصته الروائية. طغى الطابع الوصفي على الرواية، حيث كانت الأحداث في حدها الأدنى، فيما كان تركيز الكاتب على تصوير المناظر الطبيعية والشخصيات ووظائفها، مما يجعلها قصة قصيرة مدمجة في قصة طويلة، غالبًا ما تغلب عليها الوصف.

اتبعت الكتابة الرؤية السردية من الخلف في هيكل الرواية، حيث يكون على دراية بكل ما يختص بالشخصيات، كما يظهر حين يقول: “ارتفعت الشمس عندما تطاير خطان، وأرسلت شعاعها لتغمر الشجيرات التي لا تزال في بداية حياتها، ومع ذلك هو يهتم بها الفلاح والمالك أكثر من عنايتهما بأبنائهما”.

اختار الروائي الألفاظ بعناية في تصويره للريف المصري، مركزًا على زينب كشخصية محورية تحمل قيمًا إيجابية، وقد أسهب هيكل في وصف مظاهر شخصيتها جسديًا من خلال التركيز على ما تتسم به من ميزات، بدءًا من ملامح الوجه، إلى الخصر والأرداف والساقين، وكذلك الصورة العامة من السمعة الطيبة وغيرها.

Published
Categorized as روايات عربية