البراغماتية في الدين الإسلامي: مفهومها وأثرها

البراغماتية في الإسلام

أصل البراغماتية

عند دراسة مبادئ الشريعة الإسلامية، يتضح أن الإسلام لا يفرق بين مفهوم البحث عن الحقيقة والبحث عن السعادة. فليس هناك تناقض بين هذين المفهومين؛ إلا أن الحضارة الغربية حاولت إبراز هذين الجانبين كجزء من ثقافتها التي فرضتها على الشعوب التي كانت تحت سيطرتها.

نتج عن ذلك اختلاف في مفهوم السعادة، حيث اقتصر المفهوم الغربي على اللذة المادية فقط. ومع ظهور البراغماتية، تم توسيع هذه المفاهيم؛ إذ ترى أن الأخلاق تمثل السعادة الذاتية، فلا تعتبر الفضيلة فضيلة إلا بفضل ما تجلبه من لذة للفرد، في حين أن الرذيلة تعتبر رذيلة لأنها تسبب الألم.

الإسلام ومفاهيم السعادة والحقيقة

جاء الإسلام ليقدم للإنسان فهمًا شاملًا للسعادة في الدنيا والآخرة، حيث تتسع السعادة لتلبية احتياجات الإنسان بشكل متوازن وعادل، بعيدًا عن الإسراف أو التبذير. كما يشجع الإسلام على التعاون والتآلف بين جميع البشر.

ومن الجدير بالذكر أن البحث عن الحقيقة في الإسلام هو السبيل إلى السعادة، حيث لا يمكن تحقيق السعادة الحقيقية إلا من خلال الوصول إلى الحقيقة؛ وبالتالي، يصبح الهدف الذي يسعى إليه الإنسان في الإسلام هو اكتساب فهم صحيح لمعنى السعادة الحقيقية.

البراغماتية والواقع الملموس

تُعتبر البراغماتية فلسفة تركز على العالم المادي والواقع الحالي، بينما نبّه الإسلام إلى أهمية الإيمان باليوم الآخر ولم يتجاهل الحياة الدنيا، التي تُعتبر مجالًا للعمل والإعمار. وقد وفّر الله كل ما فيه من مخلوقات لتحقيق إرادة الإنسان في تجسيد معنى الخلافة على الأرض.

كما يُعتبر الإسلام دينًا شاملاً يأخذ في اعتباره مصالح الأفراد والجماعات في الدنيا والآخرة. وقد نظم العلاقات النفعية المتبادلة بين الناس بشكل يحافظ على حقوق الجميع دون أي تعدٍ، وهو ما يفتقر إليه الفكر البراغماتي.

كما اهتم الإسلام بالنتائج، إذ إن آيات القرآن الكريم تأمر بالنظر إلى عواقب أفعال الكافرين الذين لم يستجيبوا لدعوة الإسلام. هذه الرؤية المتوازنة تعطي قيمة لحياة الفرد في الدنيا والآخرة، حيث تتحدد مكانة الإنسان في الآخرة بناءً على ما قدّمه في حياته الدنيا.

تعريف البراغماتية

البراغماتية هي مصطلح يوناني مستمد من كلمة “براجما” التي تعني العمل. وتعبر عن تيار فلسفي يدعو إلى أن حقيقة كل المفاهيم لا يمكن إثباتها إلا من خلال التجربة العملية. وهي تعاكس الفلسفات القديمة التي كانت تبدأ بتصورات معينة، حيث تعتبر البراغماتية أن الواقع والتجربة يفرضان معنى الحقيقة، ولا توجد حقيقة تفرض نفسها على الواقع.

ويُعتبر وليام جيمس من أبرز المطورين لمفهوم البراغماتية، حيث أوضح أن البراغماتية لا تؤمن بوجود حقائق مستقلة عن الأشياء؛ ففي فلسفتها، تعتبر الحقيقة منهجًا وطريقة للتفكير، مثلما يعتبر الخير منهجًا للعمل. قد تتحول الأفكار التي نعتبرها اليوم حقائق إلى أخطاء غدًا، فالثوابت التي كانت تعتبر حقائق في القرون الماضية ليست بالضرورة حقائق مطلقة.

يمكن تلخيص اتجاهات البراغماتية في توجيه العقول نحو العمل، مركّزة على النتائج والغايات بدلاً من المبادئ الثابتة. وترى أن المعرفة أداة لتحقيق النتائج الملموسة، وأن تقييم صدق الأفكار يعتمد على قدرتها على إثبات فعاليتها، ليصبح المعيار هو منفعة الأفكار، في حين تُهمل المفاهيم العقلانية التقليدية.

ظهور البراغماتية ومنظريها

بدأت البراغماتية، أو ما يُعرف بالفلسفة العلمية، في الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. وكان أول من استخدم مصطلح البراغماتية كمصطلح فلسفي هو تشارلس بيرس، جنبًا إلى جنب مع وليام جيمس وجون ديوي، الذين ساهموا بإرساء أسسها في البلاد.

Published
Categorized as معلومات عامة