تُصنف البنيوية عموماً كواحدة من المناهج الفكرية النقدية الإلحادية، حيث تعتقد هذه النظرية أن جميع الظواهر الإنسانية—سواء كانت أدبية أو اجتماعية—تمثل بنية يتعذر تحليلها دون تفكيكها إلى العناصر الأساسية التي تشكّلها. ومن الضروري أن يتم هذا التحليل دون تدخل من آراء المحلل الشخصية أو عقائده أو عواطفه.
تعتبر الوثيقة نقطة الانطلاق الرئيسية للنظرية البنيوية، حيث تركز على البنية كموضوع للدراسة بدلاً من الإطار. وتؤمن النظرية بأنه في مجال النقد الأدبي، فإن الأحكام العاطفية والانفعالات لا تملك القدرة على تقديم ما يمكن أن تحققه دراسة العناصر الأساسية التي تُشكّل العمل الأدبي. أما في إطار البنيوية الاجتماعية، فإنها تستقصي المجتمعات من خلال دراسة الظواهر والممارسات والنشاطات التي تُشكل أنظمة الدلالة. يستهدف المنهج البنيوي دراسة مجموعة متنوعة من الأنشطة، مثل الطقوس الدينية والنصوص الأدبية وغير الأدبية، وكذلك بعض أشكال الترفيه، من أجل الكشف عن الهيكلية العميقة التي تسهم في إنتاج المعنى داخل الثقافات.
واجهت النظرية البنيوية في الأنثروبولوجيا عدة انتقادات، مثلها مثل غيرها من النظريات الإنسانية. وفيما يلي بعض النقاط المثارة حول هذه النظرية:
تعرّضت النظرية البنيوية، وخصوصاً في أعمال كلود ليفي ستروس، للانتقادات فيما يتعلق بدراسة الأسطورة. إذ وصف ليفي ستروس الأسطورة ببلاغة، ولكنه في المقابل أغفل العديد من المعطيات، بل واستعان بتوصيفات مجازية مجردة اختار فيها ألفاظه بدقة. وقد أثرت هذه الطريقة المجازية في معاني الدراسة ومحتواها، مما يدل على أن المنهج البنيوي لدى ليفي ستروس تناول الأسطورة كنموذج لغوي وليس كمعنى.
واحدة من الانتقادات المركزية الموجهة للنظرية البنيوية تكمن في تركيزها على المكونات السطحية للظاهرة، سواء في اللغة أو غيرها، مع إغفالها للبنية العميقة الداعمة للظاهرة. هذا التركيز على المكونات المباشرة اعتبره很多 النقاد مقاربة غير كافية للدراسة اللغوية أو الأدبية.
تعاني النظرية البنيوية من عجز في تحليل جميع أنواع الجمل، وهذا ينطبق كذلك على تطبيقاتها في الأنثروبولوجيا. فقد تصبح بعض الجمل معقدة بشكل متزايد، مما يعقد العلاقات بين مكوناتها ويعكس ذلك الصعوبات التي تواجهها النظرية في فهم العديد من الظواهر الاجتماعية.
برز عدد من المفكرين والعلماء الذين ساهموا في تطوير النظرية البنيوية في الأنثروبولوجيا. وفيما يلي بعض هؤلاء الرواد البارزين:
يُعتبر العالم الروسي فلاديمير بروب من أبرز العلماء البنيويين في العصر الحديث، وُلِد في 29 من أبريل عام 1895 في مدينة سان بطرسبورغ. درس فقه اللغة الروسية والألمانية، وبعد تخرجه قام بتدريس اللغتين في المدارس الثانوية، ثم أصبح محاضراً في الجامعة للغة الألمانية. في عام 1932، انضم إلى هيئة التدريس بجامعة سان بطرسبورغ.
تخصص في دراسة الفلكلور، ليصبح لاحقاً رئيس قسم الفلكلور في الجامعة. أصبح الفلكلور جزءاً أساسياً من الأدب الروسي، واشتهر بدراساته حول بنية الحكايات الروسية. أثر بروب بشكل كبير على كل من رولان بارت وكلود ليفي ستروس. ومن أشهر أعماله كتاب “مورفولوجيا الحكاية” باللغة الروسية عام 1928. تُوفي في سان بطرسبورغ عام 1970 عن عمر يناهز 75 عاماً.
وُلِد العالم الفرنسي كلود ليفي ستروس في 28 من نوفمبر عام 1908، وهو عالم اجتماع وفيلسوف. بدأت مسيرته الأكاديمية بدراسة الفلسفة، لكنه لم يجد في النظريات المجردة تلبية لرغباته، فسافر إلى البرازيل حيث التحق بمجال دراسة علم الاجتماع واطلع على أعمال علماء الاجتماع الأميركيين مثل بواس ولووي وكروبر، الذين لم تكن أعمالهم معروفة على نطاق واسع في أوروبا آنذاك.
نشر كتابه الشهير “المدارات الحزينة” عام 1955، الذي تناول فيه الهنود الحمر، ثم اطلع على أعمال كل من جاكبسون ودي سوسير وفلاديمير بروب وغيرهم. تُوفي عام 2009 عن عمر يناهز 101 عاماً.
أحدث التعليقات