الاكتشافات الجغرافية وتأثيرها على التجارة الاقتصادية في العصر الحديث

الاكتشافات الجغرافية وتأثير الميركنتيليّة

تزامنت الاكتشافات الجغرافية مع القرن الخامس عشر الميلادي، حيث كانت العديد من الدول تسعى وراء الثروات مثل الفضة والذهب، بالإضافة إلى محاولة إيجاد طرق جديدة لتجارة التوابل والحرير. قد أسفرت هذه الاكتشافات عن تأثيرات عميقة على النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في مختلف أنحاء العالم. ومن أبرز آثار هذه الاكتشافات:

  • تبادل المعلومات والخبرات التي اكتسبها المستكشفون من المناطق المكتشفة في إفريقيا والأمريكيتين وآسيا مع أوروبا.
  • زيادة ثروات المستعمرين الأوروبيين نتيجة تجارة التوابل والمعادن الثمينة.
  • تحسين أساليب الملاحة والانتقال من الخرائط القديمة إلى الخرائط البحرية.
  • تبادل المنتجات الغذائية والنباتات والحيوانات بين المستعمرات والدول الأوروبية.
  • فقدان عدد كبير من السكان الأصليين في المستعمرات نتيجة الأمراض والحروب التي اندلعت.
  • انتشار تجارة العبيد لتلبية الحاجة إلى العمال في الزراعة الكبرى في الدول المستعمرة، وقد استمرت هذه الظاهرة لفترة تجاوزت الثلاثمائة عام، مما أدى إلى تأثيرات كبيرة على القارة الإفريقية.

تُعرَف الميركنتيليّة على أنها نظرية اقتصادية ومذهب تجاري برز في أوروبا في القرن الثامن عشر الميلادي، حيث تجمع بين مجموعة من القواعد والتوجيهات العملية والسياسات الاقتصادية التي تعزز من سيادة الدولة وتزيد من ثروتها. اعتُبر الذهب والمعادن الثمينة مؤشراً على قوة الدولة، مما ساهم في دعم السياسات الاستعمارية والاكتشافات الجغرافية التي تبنتها العديد من الدول.

مبادئ الميركنتيليّة المرتبطة بالاكتشافات الجغرافية

سعت الدول الاستعمارية لزيادة ثرواتها وسلطتها من خلال استغلال ثروات المستعمرات بعد الاكتشافات الجغرافية، حيث اعتمدت على مبادئ الميركنتيليّة التي تشمل:

  • فرض قيود على الواردات من خلال حواجز جمركية أو حصص أو إجراءات غير جمركية.
  • جمع احتياطيات من العملات الأجنبية بالإضافة إلى احتياطيات الذهب والفضة، حيث كان يُعتقد في القرنين السادس عشر والسابع عشر أن تراكم الذهب على حساب الدول الأخرى هو أفضل وسيلة لضمان ازدهار الدولة.
  • احتكار الدولة لبعض الشركات في مجالات التجارة والنقل.
  • تعزيز الصناعات التصديرية لبناء ميزة تنافسية في الأسواق العالمية.
  • الاهتمام بالأبحاث لتحسين كفاءة الصناعة المحلية في الدول المستعمرة.
  • تقليل أجور العمال لزيادة الأرباح.
  • السيطرة على المستعمرات من خلال إجبارها على الاستيراد من الدولة المستعمرة والتحكم في ثرواتها.

أمثلة على تطبيق الميركنتيليّة في دول متعددة

تجسدت مبادئ الميركنتيليّة في العديد من الدول، وفيما يلي أبرز الأمثلة على تطبيقها:

  • حظر السفن الأجنبية من المشاركة في التجارة الساحلية وفقًا لقانون الملاحة الإنجليزي عام 1651.
  • إصدار إنجلترا تعليمات تقضي بأن جميع الصادرات الاستعمارية المتجهة إلى أوروبا تمر عبر إنجلترا أولاً قبل إعادة تصديرها.
  • تحديث السياسات الفرنسية وتشجيعها على برامج الأشغال العامة، بالإضافة إلى إنشاء البحرية التجارية الفرنسية لتوسيع صادراتها، بقيادة كولبير الذي شغل منصب وزير الدولة الأول في فرنسا بين عامي 1661 و1683.
  • إصدار إصلاحات من قبل أربريستا ومجموعة من المؤيدين في إسبانيا لترتيبات أكثر صرامة بشأن الواردات والإعانات للعمال الزراعيين، وذلك لدعم الأعمال التجارية المحلية مع استغلال المستعمرات لتزويدها بالموارد الحيوية.
  • تأسيس بريطانيا شركة الهند الشرقية التي استخدمتها للسيطرة على تجارة التوابل في الأسواق الآسيوية، فضلاً عن الربط بين الهند وبقية مستعمراتها، مما أسفر عن إنشاء شبكة تجارية قوية لصادراتها.

أبعاد الميركنتيليّة الحديثة ومبرراتها

لا تزال الميركنتيليّة حاضرة حتى يومنا هذا، حيث ترتبط أحيانًا بكثير من السياسات الاقتصادية. وفيما يلي بعض مظاهر الميركنتيليّة الحديثة:

  • تقليل قيمة العملة من قبل بعض الدول من خلال شراء الحكومة لأصول العملات الأجنبية، مما يمكّنها من الحفاظ على سعر الصرف بأقل من قيمته الحقيقية، وبالتالي يمنح الصادرات ميزة تنافسية أكبر.
  • وضع الولايات المتحدة الأمريكية سياسات تروج لشراء المنتجات الأمريكية وفرض رسوم جمركية على الواردات الصينية.

تواجه الميركنتيليّة الحديثة العديد من الانتقادات، ولكن لا يزال البعض يدعمها مستندين إلى حجة أن السياسات التي تتبعها بعض الدول تؤدي إلى زيادة الإنتاج. لذلك، يرون ضرورة فرض رسوم جمركية على الواردات من هذه الدول لحماية المنتجات المحلية من المنافسة غير العادلة.

كما أن بعض البلدان تلجأ إلى بيع المنتجات بأسعار منخفضة لتقليل الفائض في الأسواق، مما يجعل الشركات المحلية غير مربحة. بينما الدول التي تسعى لتنويع اقتصاداتها وتطوير صناعات جديدة، يمكنها عند تحقيق ذلك إلغاء الرسوم الجمركية والحواجز عن منتجاتها.

Published
Categorized as معلومات عامة