يُعتبر الإسلام ديناً يتميز بالوسطية، ويمكن إثبات ذلك من خلال استعراض عقائده، ومبادئه، وأصوله العلمية، وأخلاقياته، وعباداته، وتشريعاته وأحكامه. تعكس هذه الجوانب الاعتدال والوسطيّة كأسس رئيسية تربط كل ما يتعلق بالإسلام. وقد ذُكِرَ في العديد من الآيات هذا المفهوم، حيث وُصف الإسلام بأنه الصراط المستقيم، كما يتجلى في قوله تعالى: وَأَنَّ هـذا صِراطي مُستَقيمًا فَاتَّبِعوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبيلِهِ ذلِكُم وَصّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقونَ. ويدعو العباد الله سبحانه وتعالى ليوفِّقهم في اتباع الصراط المستقيم، كما يتبين من قوله: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ.
تستند العقيدة الإسلامية إلى مفهوم الوسطيّة، حيث تُعزِّز الإيمان بخالق أزلي وأحد، على عكس بعض المعتقدات البعيدة عن هذا المفهوم التي تتضمن إيماناً بآلهة متعددة أو نسبة الشرك بالله. في المقابل، نجد أيضاً من ينكر وجود الخالق ويعتقد بأزليّة المادة، مما يبدد فكرة الإله. هنا، يأخذ الإسلام موقفاً وسطاً يُثبت أن الخالق واحد، وبالتالي يمثل حلقة وصل بين هذين الطرفين المتناقضين.
علاوة على ذلك، نجد أن عقيدة أهل السنة والجماعة تتوسط بين تطرف المُجسِّمة الذين يشبِّهون الله بخلقه، وبين من يُعطل صفاته. يُثبِت أهل السنة صفات الكمال لله تعالى ويُنزهونه عن كل نقص، متحدِّثين عن تميز الله وعظمته.
بسبب هذه الوسطيّة، تمكن الإسلام من تطهير الأفراد من ما تعلق بهم من معتقدات منحرفة، ونجح في توضيح عقيدته بشكل يسهم في بناء إنسان سوي فكرياً وعقدياً، قادر على تحمل الأمانة وأداء رسالته في الحياة.
تتنوع المجتمعات بطبيعتها بين الأعمار والحالات الصحية، الأمر الذي انعكس على مفاهيم العبادات والشعائر في الإسلام، حيث جاءت هذه العبادات مُيسَّرة ومتاحة لكافة الأفراد بغض النظر عن قدراتهم. لم يكن بالإمكان فرض عبادة وفقاً لأقوى الأشخاص فقط، وقد أخذت الشريعة الإسلامية هذه الاختلافات بعين الاعتبار في جميع العبادات، مما أتاح مرونة كبيرة.
هذا يظهر في تسهيلات مثل تخفيف الصلاة، اعتدال قيام الليل، أو إعطاء حرية الاختيار في الصيام، مما يُظهر كيف يُعتبر الاعتدال والوسطية جزءاً لا يتجزأ من سير العبادات.
ليس من قبيل الاستثناء أن تكون الوسطية هي الأصل، فمعظم العبادات المفروضة والنوافل جاءت سهلة الأداء، مما يُسهِّل على المسلمين الالتزام بها والتمتع بفوائدها العظيمة.
يمتاز الإسلام أيضاً بالوسطية في مجال الأخلاق وتفاعل الأفراد مع بعضهم. لا ينظر الإسلام إلى الإنسان ككائن مثالي، لكنه في الوقت ذاته لا يُقبل انحرافاته. لذلك جاء الإسلام ليؤكد على طبيعة الإنسان المركبة من العقل والإرادة والشهوة، ويُعطي الأفراد حرية الاختيار والتصرف.
تتجلى وسطية الإسلام حتى في الأخلاق، حيث يُدعو إلى العدل والشجاعة والحلم والكرم، وكلها قيم تُسهم في تحقيق التوازن الاجتماعي.
يستند الإسلام إلى مبدأ الوسطية والاعتدال في تشريعاته، حيث يضمن تنظيم العلاقات بين الأفراد والمجتمع بصورة متوازنة. ويتمثل ذلك في توازن حقوق الأفراد وحرياتهم مع مسؤولياتهم وواجباتهم.
تشمل التشريعات الإسلامية، بنودًا متعددة تدعو إلى العدل والحرية الاقتصادية والحقوق المدنية، كما تُشجع على التوازن بين الحلال والحرام.
تُذكر الوسطية في القرآن الكريم في عدة مواضع، منها قوله تعالى: وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا. تُشير هذه الآية إلى أن الأمة الإسلامية تمثل الاعتدال في كل معنى، سواء في العقائد أو العلاقات الاجتماعية.
ويُعتبر مفهوم الوسطية مدخلاً لفهم الإسلام، الذي يدعو إلى التوازن بين الاعتقادات المتطرفة. فالوسطية تدل على الاعتدال في الشريعة، حيث لا تشدد ولا تفريط.
توجد العديد من الأحاديث التي تدل على مشروعية الوسطية في الإسلام، مثل حديث أنس بن مالك، الذي يُظهر أهمية الاعتدال في العبادة، وهي دعوة لكل إنسان ليعيش حياة متوازنة.
كما حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغلو في الدين، مؤكداً أن هذا الغلو يتنافى مع رسالة الإسلام المتمثلة في الرحمة والوسطيّة. لذلك، فإن الاقتداء بسنة الرسول هو السبيل لتحقيق التوازن والاعتدال في الحياة.
أحدث التعليقات