الأعشى هو الشاعر الجاهلي ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل بن عوف، المعروف بلقب الأعشى الكبير، الذي يُشير إلى ضعف أو فقدان البصر ليلاً. يشتهر بلقب “صنّاجة العرب” المرتبط بالغناء، وكني بأبي البصير الذي يرمز إلى التفاؤل. يُعتبر الأعشى أحد أعظم شعراء العصر الجاهلي، حيث كان يقوم بكتابة الشعر للملوك لكسب المال والوجاهة. ووفقاً للمصادر التاريخية، حصل والده على لقب “قتيل الجوع” بعد أن علق داخل كهف بسبب تدحرج صخرة على بابه، مما أدى إلى وفاته جوعاً وعطشاً.
وُلِد الأعشى في عام 570 ميلادي في قرية المنفوحة في اليمامة، الواقعة بالقرب من الرياض في شبه الجزيرة العربية. عاش الأعشى في بيئة غنية بالمياه والمراعي وأشجار النخيل، وترعرع تحت رعاية خاله الشاعر المسيب بن سلع. شهد الأعشى حقبة طويلة من الزمن تضمنت ظهور الدين الإسلامي، إلا أن بعض الدراسات تُشير إلى ندرة المعلومات حول نشأته في المصادر القديمة.
يعتبر الأعشى أحد أهم الشّعراء في العصر الجاهلي، مكانته مرموقة في الطبقة الأولى من الشعراء، حيث يُعتقد أنه كتب ضمن المعلقات العشر. كان يدلُّ ملوك العرب وفارس بشعره ليحقق مكاسب مالية. يُعد الأعشى من أبرز الشعراء من حيث الذكاء والفطنة، وقد وصفه التبريزي بأنه “أشعر الشعراء”. رغم أنه خلف إرثًا شعريًا ضخمًا، إلا أن ما وصل إلينا من شعره قليل مقارنة بما كتبه.
رغم أن الأعشى عاش بعيدًا عن مكة المكرمة والمدينة المنورة، إلا أنه سمع بالدعوة الإسلامية التي أطلقها النبي محمد صلى الله عليه وسلم. قرر الأعشى التوجه إلى مكة لاعتناق الإسلام، مما دفع أبو سفيان وقومه إلى التحذير من دخوله للدين نظرًا لقوته الشعرية وتأثيره. وقد التقى أبو سفيان بالأعشى في طريقه إلى مكة، حيث قُدمت له نصائح بعدم اعتناق الإسلام خوفًا من عواقب ذلك.
بعد مناقشة تمحورت حول عدد من المحرمات في الإسلام، مثل الزنا والربا ولعب القمار، قرر الأعشى العودة إلى قبيلته بعد أن وعده أبو سفيان بمائة من الإبل إذا انتظر ليعرف أي الدينين سيسيطر ليعتنقه.
تميز شعر الأعشى بسمات عديدة، حيث وضعه النقاد في الطبقة الأولى بين الشعراء، واعتبره أستاذًا في الشعر الجاهلي. تميز شعره بالحروف اللينة والإيقاع الموسيقي الذي يتغنى به. يُعتبر الأعشى أبرز من تناول في شعره مواضيع المدح والهجاء والغزل، إلا أن بعض هذه القصائد لم تصل إلينا.
احتوى شعر الأعشى على عناصر المدح والهجاء والغزل، ومن أبرز ما عُرف به أنه كان يُبدع في وصف الخمر، حيث اشتهر بين أمور أخرى بحسن تصوير المجالس والنوادي. يعتبر الأعشى شاعر المرأة والحياة النابضة، وقد نال مكانة عالية بين القبائل.
نقدم لك الآن بعضًا من أشعار الأعشى في مختلف الأغراض الشعرية:
إلى ملكٍ خيرِ أربابِه
وإنَّ لِما كلِّ شيءٍ قرارا
إلى حاملِ الثّقلِ عن أهلهِ
إذا الدّهرُ ساقَ الهَنَاتِ الكِبارا
علقمُ ما أنتَ إلى عامرٍ
الناقضِ الأوتارَ والواترِ
صَحا القٌلبُ مِن ذكرَى قُتَيلةَ بَعدَما
يَكُونُ لهَا مِثلَ الأَسيرِ المُكَبَّلِ
فترى إبريقهم مُسترعِفًا
بشَمولٍ صُّفِّقَتْ من ماءِ شَنْ
على كلِّ أحوالِ الفتى قد شربتها
غنيّاً وصُعلوكاً وما إن أقاتُها
ظبية من ظباء وجرة أدماء
تسفُّ الكباثَ تحتَ الهدالِ
تُعتبر معلقته واحدة من المعلقات العشر المُعلقة على جدار الكعبة في العصر الجاهلي. كُتبت على بحر بسيط، تحتوي على 66 بيتًا شعريًا، وتستعرض العديد من التشابيه والأوصاف لمحبوبته. تطرقت المعلقة أيضًا إلى هجاء يزيد بن شيبان، حيث بدأت:
ودّعْ هريرةَ إنْ الركبَ مرتحل
وهلْ تطيقُ وداعًا أيها الرّجلُ
غَرّاءُ فَرْعَاءُ مَصْقُولٌ عَوَارِضُها
تَمشِي الهُوَينا كما يَمشِي الوَجي الوَحِلُ
كَأنّ مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْتِ جارَتِهَا
مرّ السّحابةِ لَا ريثٌ ولا عجلُ
تميز الأعشى بقصائد طويلة، وتنوعت كتاباته لتشمل المدح، والهجاء، والغزل، ووصف الخمر. يُعتبر الأعشى أول شاعر عُرف بأنه يكسب المال من شعره وكان شديد التردد على الملوك. من أشهر قصائده:
أثْوَى، وَقَصّرَ لَيْلَةً لِيُزَوَّدَا
وَمَضَى وَأخلَفَ من قُتَيلَةَ مَوْعدَا
وَمَضَى لحاجَتِهِ، وَأصْبَحَ حَبْلُهَا
خَلَفًا، وَكانَ يَظُنّ أنْ لن يُنكَدَا
وأرَى الغَوَانَي حِينَ شِبْتُ هَجَرْننَي
أنْ لا أكوُنَ لَهُنّ مِثليَ أمْرَدَا
عَرَفْتَ اليَوْمَ مِنْ تَيّا مُقَامَا
بِجَوٍّ، أوْ عَرَفْتَ لـهَا خِيَامَا
فَهَاجَتْ شَوْقَ مَحْزُونٍ طَرُوبٍ
فَأسْبَلَ دَمْعَهُ فِيهَا سِجَامَا
وَيَوْمَ الخَرْجِ من قَرْماءَ هَاجَتْ
صِبَاكَ حَمَامَةٌ تَدْعُو حَمَامَا
أجِدَّكَ وَدّعْتَ الصبي وَالوَلائِدَا
وَأصْبَحتَ بَعدَ الجَوْرِ فيهنّ قاصِدَا
وَما خِلتُ أنْ أبتاعَ جَهْلاً بحِكمَةٍ
وَما خِلْتُ مِهرَاسًا بلادِي وَمَارِدَا
يَلُومُ السّفيُّ ذا البَطَالَةِ، بَعْدَمَا
يَرَى حُرَيْثٌ عَنْ عَطائيَ جامدَا
أبْلِغْ بَني قَيْسٍ، إذا لاقَيْتَهُم
وَالحَيَّ ذُهْلاً هَلْ بِكُمْ تَعْيِيرُ
زَعَمَتْ حَنِيفَةُ لا تُجِيرُ عَلَيْهِمُ
بِدِمَائِهِمْ، وَأظُنُّهَا سَتُجِيرُ
كَذَبُوا وَبَيتِ اللهِ، يُفعَلُ ذلِكُمْ
حتى يُوَازِيَ حَزْرَمًا كِنْدِيرُ
لَعَمْرُكَ مَا طُولُ هذا الزّمَنْ
عَلى المَرْءِ، إلاّ عَنَاءٌ مُعَنّ
يَظَلّ رَجِيمًا لرَيْبِ المَنُون
وَللسّقْمِ في أهْلِهِ وَالحَزَنْ
وَهَالِكِ أهْلٍ يُجِنّونَهُ
كَآخَرَ في قَفْرَةٍ لمْ يُجَن
عاش الأعشى حياة طويلة، وكان يُلقب بالأعشى نظرًا لضعف بصره في الليل، وقد أصيب بالعمى في كبره. اعتنق الديانة النصرانية، وعندما سمع عن صفات النبي محمد صلى الله عليه وسلم، قام بكتابة قصيدة تمدحه بها. غادر الأعشى متوجهًا إلى مكة لاعتناق الإسلام. وفقًا للروايات، خاف أبو سفيان وقومه من دخول الأعشى للإسلام، نظرًا لتأثيره الواسع.
تلقى الأعشى مائة من الإبل من أبي سفيان، إذ طلب منه أن يعود في العام المقبل ليعرف أي الدينين سيسيطر، ثم واصل طريق العودة. أثناء عودته، وفي طريقه إلى بلاده، وقع عن ناقته ومات في عام (7هـ – 629 م)، حيث دُفن في اليمامة. قيل إن الأعشى استنفد أمواله على ثلاث: الخمر واللحم والتطيّب بالزعفران، ولم يدخل في الدين الإسلامي.
يُعتبر الأعشى من شعراء العصر الجاهلي، نشأ كيتيم وعاش تحت رعاية خاله المسيب بن سلع. اشتهر بشعره الذي تناول مديح الملوك والسلاطين وكتب قصيدة تمدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم. كما عُرف بمعلقته ضمن المعلقات العشر على جدار الكعبة، وقد تجسد في شعره مواضيع الهجاء والغزل، حيث كانت له علاقة حميمة بالخمر، مما جعله يختار العودة إلى قبيلته بعد معرفته بأن الإسلام سيحول بينه وبينها. وتوفي الأعشى دون أن يُعتنق الإسلام.
أحدث التعليقات