يشير علم البلاغة إلى أسرار التركيب اللغوي، وصياغة المعاني والأفكار، ويعرض الأساليب بأسلوب جمالي متقن. ينقسم هذا العلم إلى ثلاثة فروع رئيسية: علم البيان، علم البديع، وعلم المعاني.
تحتوي المفردات ومعانيها، وكذلك أساليب التقديم والتأخير، والحذف والذكر، والإيجاز والإطناب، على مقاصد وعبر لا يدركها إلا المتعمقون في علم البلاغة. في سورة الملك، يمكننا ملاحظة عدة أساليب بلاغية كما يلي:
قال تعالى: “تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿١﴾”
تتضمن هذه الآية الأسلوب التالي:
أسلوب الخبر: هو ما يُنقل ويُحدث به سواء بالقول أو الكتابة، ويمكن أن يكون صادقاً أو كاذباً. لذا، فإن الأخبار الصادقة التي لا شكَّ في صحتها تأتي من الله عز وجل أو من الأحاديث الصحيحة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
هنا أخبر الله سبحانه وتعالى عن شدة بره وخيره على جميع خلقه، وأن الملك والسلطان بيده، وكلماته نافذة في الدنيا والآخرة، وهو القادر على كل شيء.
قال تعالى: “الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴿٢﴾”
تتضمن هذه الآية الأساليب التالية:
يشير البديع في البلاغة إلى “العلم الذي يُعرف بواسطة تحسين الكلام بما ينسجم مع وضع الحال ووضوح المعنى.” في هذه الآية، تم ذكر الحياة التي تُعتبر عكس الموت، مما يُعرف بطباق الإيجاب، حيث تدل القدرة الإلهية على خلق الموت والحياة.
هنا أخبر الله سبحانه بأنه خالق الموت والحياة ليختبركم أي منكم أحسن عملاً، وهو العزيز الذي لا يعجزه شيء، ويدعونا للتوجه نحو فعل الحسنات، وينذرنا من المعاصي.
قال تعالى: “…فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ ﴿٣﴾”
تشمل هذه الآية:
أسلوب الاستفهام
يعتبر أسلوب الاستفهام من الأساليب الأكثر استخدامها في السورة، وهو أسلوب بلاغي إنشائي. يدعو للاستبعاد، أي يطرح تساؤلاً عن وجود تصدع أو خلل في خلق الرحمن، مما يعبّر عن التعجب.
قال تعالى: “ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ ﴿٤﴾”
تحتوي هذه الآية على الأسلوب التالي:
يعبر أسلوب الأمر عن إلزام الفعل، وهو موجود بشكل بارز في هذه السورة المباركة.
قال تعالى: “وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ ﴿٥﴾”
تتضمن هذه الآية:
الحذف هو أحد أساليب البلاغة، ولا يصبح بليغاً إلا عند تجنبه للبس، وهو نوع من الإيجاز. هنا، تشير الآية إلى جعل النجوم رجوماً للشيطان، حيث تم حذف “من” تعبيراً عن المبالغة.
قال تعالى: “وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴿٦﴾”
تتضمن هذه الآية:
الإطناب يشير إلى توسيع الكلام دون التفريط في المعنى. هنا يُظهر الأسلوب التتميم، حيث تُضاف كلمات لا تعطي إيجابية مغايرة لمعنى الآية.
قال تعالى: “إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ ﴿٧﴾”
تشير هذه الآية إلى:
يشير ربنا تبارك وتعالى في هذه الآية إلى أن الكافرين حين يُلقون في جهنم، سيسمعون صوتاً من النار يدل على شدتها.
قال تعالى: “تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ﴿٨﴾”
تتضمن هذه الآية:
جاءت لتظهر كيف أن جهنم تكاد من شدة الغضب أن تتمزق كلما أُلقي فيها أحد، كما تسأل خزنة النار عن الأنبياء الذين حذروهم.
قال تعالى: “قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقالنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير ﴿٩﴾”
ويمكن ملاحظة:
هنا يجيب الكافرون بالاعتراف بأنهم قد كذبوا بالرسائل التي جاءتهم من الله.
قال تعالى: “وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴿١٠﴾ فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴿١١﴾”
تحتوي هاتين الآيتين على:
هنا يعبر الكافرون عن ندمهم حيث كانوا سيفكرون لولا إنكارهم للحق، متأسفين على ما حصل لهم.
قال تعالى: “إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير ﴿١٢﴾”
تستخدم هذه الآية:
تشير الآية إلى أهمية ذكر ما هو مفضل على ما هو مؤخر، مع التركيز على أهمية علاقة المسلم بربه.
قال تعالى: “وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴿١٣﴾”
تُظهر هذه الآية:
حيث قدّم الله تعالى إخفاء القول على الجهر، مبيناً علمه بأنماط السلوك المختلفة.
قال تعالى: “أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴿١٤﴾”
تتضمن الأسلوب:
وفيه تأكيد على علم الله بما في الخفاء، ويعبر عن التهديد للمخالفين.
قال تعالى: “هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴿١٥﴾”
تحتوي هذه الآية على:
حيث تم تقديم “لكم” لتسليط الضوء على النعم الإلهية التي يجب تقديرها.
قال تعالى: “أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور ﴿١٦﴾”
تشير الآية إلى:
الذي يُظهر إنذاراً وتهديداً بشأن سوء العاقبة.
قال تعالى: “أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير ﴿١٧﴾”
يدل على القلق والتخويف، مما يُظهر قدرة الله سبحانه وتعالى.
قال تعالى: “وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ﴿١٨﴾”
يُخبر الله هنا بكيفية كفر الأمم السابقة وما حل بهم من عذاب.
قال تعالى: “أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير ﴿١٩﴾”
تتضمن:
الذي يدعو إلى التأمل في خلق الله وقدرته.
قال تعالى: “أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور ﴿٢٠﴾”
تشمل:
الذي يُظهر الوعيد والتحذير من الاعتماد على غير الله.
قال تعالى: “أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور ﴿٢١﴾”
تحتوي على:
يدعو للتفكر في النعم ونتائج الكفر.
قال تعالى: “أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمن يمشي سوياً على صراط مستقيم ﴿٢٢﴾”
تُظهر:
الذي يبرز حالتين ويذهب بالتفكير إلى ما يتوجب القيام به.
قال تعالى: “قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون ﴿٢٣﴾ قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴿٢٤﴾”
يحتوي أسلوب الأمر (قل) لجعل الرسول ابن للرب في تحذيره.
قال تعالى: “وَيَقُولُونَ مَتَى هَذا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿٢٥﴾”
أسلوب الاستفهام هنا يعبر عن الضيق والاستنكار.
قال تعالى: “قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّـهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴿٢٦﴾”
تشير إلى أن العلم بمصير الساعة قد جعله الله خاصاً به.
قال تعالى: “فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ ﴿٢٧﴾”
تتأمل في المستقبل مع التأكيد على ما سيجري للكافرين.
قال تعالى: “قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّـهُ وَمَن مَّعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿٢٨﴾ قُلْ هُوَ الرَّحْمَـنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴿٢٩﴾ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ ﴿٣٠﴾”
يظهر هذه الآيات دعوة لاستشعار ما يواجهونه من حقائق مشؤومة واستحالة الاستمرار في الغفلة.
أحدث التعليقات