لقد شهد الأدب العربي مراحل طويلة من التطور والانحسار عبر العصور، مما دفع النقاد والباحثين إلى تقسيم هذه المراحل إلى عصور أدبية ترتبط بتاريخ الأمة. يعتمد تحديد بدايات وانتهاء هذه العصور على أحداث تاريخية هامة، وكان من أوائل من اتبع هذه الإرشادات الدكتور شوقي ضيف في سلسلته المعروفة. فيما يلي شرح مختصر للأدب العربي عبر العصور الأدبية:
يُعتَبَر هذا العصر من الفترات الزمنية التي تمتد حوالي 150 عامًا قبل الإسلام، ويُطلق عليه اسم الجاهلية المشهورة، حيث تُعتبر الفترات التي تسبقها مجهولة بقدر كبير، إذ لم تصل إلينا أية نصوص أو وثائق، باستثناء ما ذُكِر في النصوص المقدسة مثل القرآن الكريم والإنجيل والتوراة.
يُعتبر العصر الجاهلي زمن نضوج الشعر، حيث كان الشعر هو الشكل الأدبي الأكثر بروزًا في تلك الفترة، وكان يُنقل شفهياً، مما قلل من الحاجة للتدوين مثل باقي الأجناس الأدبية النثرية. وقد كانت المعلقات وعيون القصائد العربية من أبرز المعالم الأدبية في ذلك الزمن، حيث تميز العرب في التمييز بين الجيد والرديء، ما عزز من خلفيتهم الثقافية.
يبدأ هذا العصر مع بداية البعثة المحمدية الشريفة، حيث اعتُبِر مجيء الإسلام حدثًا تاريخيًا بارزًا غيّر وجه العالم. وقد تم اعتماد هذا الحدث كبداية للعصر الأدبي الثاني للعرب، وهو العصر الإسلامي، الذي شهد تحولًا كبيرًا في الأدب وخاصة الشعر. فقد استحوذ القرآن الكريم على اهتمام العرب، إذ تفوق على الشعر بما يحتويه من بلاغة وقوة.
خلال هذه الفترة، انقسم الشعراء إلى فريقين: فريق يدعم الدعوة الإسلامية وفريق مناصر لقريش، حيث كانت هناك هجمات شعرية من شعراء قريش على الإسلام ونبيّه محمد -صلى الله عليه وسلم-، بينما قام شعراء الإسلام بالرد على هذه الهجمات بمدح النبي والدفاع عن قضاياهم. ومن أبرز هؤلاء الشعراء: حسان بن ثابت وكعب بن زهير وكعب بن مالك.
يرى الدكتور شوقي ضيف أن هذا العصر هو امتداد للعصر الإسلامي، حيث خصص له قسماً كبيراً من كتابه تحت نفس العنوان. يُعتبر العصر الأموي فترة انتعاش الشعر وتطور الأجناس النثرية. ومع استقرار العرب في المدن، بدأت عودتهم إلى الشعر كوسيلة للتفاخر والمدح والهجاء والغزل، حيث تحول بعض الشعراء إلى مهنة الشعر كمصدر دخل، مثل الأخطل والفرزدق.
شهدت الأجناس النثرية أيضًا انتعاشًا خلال هذا العصر، حيث انتشرت الكتابة والتدوين، وظهرت فنون مثل الرسائل والخطابة والوصايا. كان من أبرز الأدباء في تلك الفترة: عبد الحميد الكاتب.
يبدأ العصر العباسي بعد سقوط دمشق بيد الثورة العباسية، ويُعتبر ذروة الإبداع العربي الأدبي. في الشعر، تنوعت الموضوعات ولم تعد محصورة في الرثاء والمدح والغزل فحسب، بل شهدت أيضًا تجديدًا في هيكلة القصيدة وبنائها الداخلي وأوزانها الشعرية.
في الجانب النثري، ظهرت مؤلفات عديدة تغطي مجالات متنوعة من الأدب، وتم تقعيد اللغة، وتم ابتكار أجناس أدبية جديدة مثل فن المقامة. بالإضافة إلى ذلك، تمت ترجمة العديد من الأعمال الأدبية من الفارسية والهندية، مثل “ألف ليلة وليلة” وحكايات “كليلة ودمنة”.
شهد هذا العصر تراجعًا كبيرًا في الإبداع العربي، حيث تعرضت الأمة العربية لغزوات عديدة من الشرق والغرب، مما أدى إلى انصراف العرب عن التأليف والكتابة. رغم ذلك، ظل الشعر حاضرًا خلال فترة الحكم الأيوبي، حيث اقتصر على رثاء المدن والحث على مواجهة الأعداء ومدح الانتصارات.
بالدخول في هذين العصرين: المملوكي والعثماني، عانى الأدب العربي من تراجع نحو الابتكار، حيث استُخدمت أساليب كالسجع والمحسنات اللفظية والمعنوية، وشاعت أشكال مثل شعر الأحاجي والألغاز.
يبدأ هذا العصر مع دخول نابليون بونابرت لمصر، حيث أدخل معه بعثة علمية ووسائل الطباعة. تبع ذلك تنظيم رحلات علمية إلى أوروبا وتبدأ جهود المحدثين لتجديد الأدب العربي، لا سيما في الشعر، حيث برز أدباء مثل أحمد شوقي ومحمود سامي البارودي.
أما الفنون النثرية، فقد تطورت من خلال استحضار نماذج من الأدب الغربي، حيث تم إدخال القصة القصيرة ومن ثم فن الرواية والمسرحية، وتكييفها لتتناسب مع البيئة العربية.
أحدث التعليقات