يُعتبر العالم الكيميائي روبرت بويل (بالإنجليزية: Robert Boyle) أول من قام بتصنيف المواد إلى أحماض (بالإنجليزية: Acids) وقواعد (بالإنجليزية: Bases) في القرن السابع عشر، حيث أطلق على القواعد اسم القلويات. وقد اعتمد في تصنيفه على مجموعة من الخصائص، فعرّف الأحماض بأنها مواد ذات طعم حامض، قادرة على تآكل المعادن، وتغيّر لون ورقة عباد الشمس إلى اللون الأحمر، بالإضافة إلى تقليل حامضيتها عند خلطها مع القواعد.
أما القواعد، فقد عُرفت بأنها مواد ذات ملمس زلق، وتحوّل لون ورقة عباد الشمس إلى الأزرق، كما أن قاعدتها تقل عند خلطها مع الأحماض. سعى العلماء، ومن بينهم بويل، لتفسير سلوك الأحماض والقواعد وآلية عملها، لكن لم يتم تقديم أي تعريف دقيق لها حتى القرن التاسع عشر.
طرح العالم السويدي سفانت أرهنيوس (بالإنجليزية: Svante Arrhenius) في نهاية القرن التاسع عشر اقتراحات تُظهر قدرة الماء على إذابة بعض المركبات وتفكيكها إلى أيونات منفردة. وعليه، عرّف الأحماض بأنها مركبات تحتوي على عنصر الهيدروجين، وتتفكك في الماء لإطلاق أيون الهيدروجين إلى المحلول. على سبيل المثال، عند إذابة حمض الهيدروكلوريك (HCl) في الماء، يُنتج أيون الهيدروجين (+H) وأيون الكلوريد (-Cl) كما يلي:
HCl in H2O → H+ (aq) + Cl-(aq)
بينما عُرِفَت القواعد بأنها مركبات تذوب في الماء وتتفكك لإطلاق أيونات الهيدروكسيد (-OH) إلى المحلول، كمثال مع قاعدة هيدروكسيد الصوديوم عند إذابتها في الماء، حيث تُنتج أيون الهيدروكسيد (-OH) وأيون الصوديوم (+Na) كما يلي:
(aq)-NaOH in H2O → Na+ (aq) + OH
وقدّم تعريف أرهنيوس شرحًا لأساسيات كيمياء الأحماض والقواعد، وأوضح العديد من الأمور، منها:
مع ذلك، لم تتمكن نظرية أرهنيوس من تفسير سلوك بعض المواد، مثل مركب بيكربونات الصوديوم (NaHCO3) الذي يتصرف بطريقة مشابهة للقواعد رغم عدم احتوائه على أيون الهيدروكسيد.
في عام 1932، نشر كل من العالم الدنماركي يوهانس برونستد (بالدنماركية: Johannes Brønsted) والعالم الإنجليزي توماس لوري (بالإنجليزية: Thomas Lowry) أبحاثًا تتضمن مراجعة لنظرية أرهنيوس للأحماض والقواعد.
ويُعتبر تعريف برونستد-لوري أشمل، حيث ينص على أن “الحمض هو أي مادة تستطيع التبرع بأيون الهيدروجين، وغالباً ما يُسمى متبرع البروتون؛ لأن أيون الهيدروجين يتصرف مثل البروتون من حيث فقدانه للإلكترون”، وهو ما يتوافق مع تعريف أرهنيوس إلى حد ما.
في حين يختلف مفهوم القاعدة في هذا التعريف عن نظرية أرهنيوس، إذ تُعرَّف القاعدة بأنها أي مادة قادرة على استقبال أيون الهيدروجين. بناءً على ذلك، يُعتبر هيدروكسيد الصوديوم مادة قاعدية لأنه يستقبل أيون الهيدروجين من الحمض لإنتاج الماء. كما فسَّر مفهوم برونستد-لوري سلوك المواد التي تتصرف كقواعد رغم عدم احتوائها على أيون الهيدروكسيد، كما هو الحال مع مركب بيكربونات الصوديوم، الذي يتفاعل بحسب المعادلة التالية:
HCl + NaHCO3 → H2CO3 + NaCl
هنا، استقبلت القاعدة (بيكربونات الصوديوم) أيون الهيدروجين من حمض الهيدروكلوريك، مما نتج عنه ملح كلوريد الصوديوم (NaCl) وحمض الكربونيك (H2CO3) الذي يتفكك سريعًا ليُنتج الماء وغاز ثاني أكسيد الكربون، ويظهر الغاز بظهور فقاعات في المحلول.
ورغم هذه التفسيرات، أخفق مفهوم برونستد-لوري في تفسير سلوك بعض المركبات التي تفتقر إلى عنصر الهيدروجين ولكنها تُظهر خواص الأحماض، مثال على ذلك ثلاثي فلوريد البورون (BF3) وكلوريد الألومنيوم (AlCl3).
لم يعتمد العالم جيلبرت لويس (بالإنجليزية: Gilbert Lewis) على مفهوم البروتون في تعريف الأحماض والقواعد، بل استند على أزواج الإلكترونات فقط. وفقًا لهذا التعريف، يُعتبر الحمض مركبًا يستقبل زوج الإلكترونات، بينما تعرّف القاعدة كمركب يمنح زوج الإلكترونات. وعلى الرغم من أن هذه التعريف يعتبر أقل تقييدًا، إلا أنه أخفق في تفسير تفاعلات الأحماض والقواعد التي لا تشمل تكوين روابط تساهمية تناسقية.
وصف روبرت بويل الأحماض والقواعد بعدة خصائص تُستخدم للتمييز بينها دون الحاجة لإجراء اختبارات معقدة، ومنها:
تُعرَّف الأحماض القوية بأنها مركبات جزيئية تتأيّن بشكل كامل في محاليلها المائية، حيث تتفكك إلى أيون الهيدروجين وأيون سالب الشحنة (Anion). من الجدير بالذكر أن عدد الأحماض القوية الشائعة محدود جدًا.
أما الأحماض الضعيفة، فإنها لا تتأيّن بالكامل في محاليلها، مثل حمض الأسيتيك (CH3COOH) الذي لا يتفكك في الماء إلا بنسب قليلة، تعتمد هذه النسب على تركيزه في المحلول. وعادة ما توجد على شكل جزيئات غير مفصولة. وفيما يلي توضيح لأنواع الأحماض:
ينطبق نفس الأمر أيضاً على القواعد، حيث تتأيّن القاعدة القوية بشكل كامل في المحاليل المائية، حيث تنفصل إلى أيونات تمامًا. تُصنَّف القواعد القوية حسب مدى تأيّنها، وكذلك هناك عدد محدود منها، بينما القواعد الضعيفة هي مركبات جزيئية لا تتأيّن بالكامل. وفيما يلي توضيح لأنواع القواعد:
واجه الكيميائيون تحديات في حساب تراكيز أيونات الهيدرونيوم (+H3O) عند التعامل مع الأحماض، حيث كانت جميع الأرقام تحتوي على أُسس سالبة. ومن هنا ظهرت فكرة الرقم الهيدروجيني (pH) كحل لتلك المشكلة.
اقترح عالم الكيمياء الدنماركي سورين سورينسن (بالإنجليزية: Soren Sorensen) في عام 1909م استخدام اللوغاريتم السالب لتركيز أيون الهيدروجين لقياس حامضية المواد، وأطلق على هذا المقياس اسم (pH)، حيث يرمز الحرف (p) إلى قوة العدد (الأُس)، بينما يرمز الحرف (H) إلى عنصر الهيدروجين.
تجدر الإشارة إلى أن الرقم الهيدروجيني هو مؤشر فقط يُظهر مدى حمضية أو قاعدية المحلول، ويتراوح المقياس بين 0 كأدنى قيمة و14 كأعلى قيمة. تشير القيم بين (0-6) إلى أن المادة حمضية، بينما تشير القيم بين (8-14) إلى أن المادة قاعدية، ويُعتبر الرقم 7 دليلًا على أن المادة متعادلة.
يمكن قياس الرقم الهيدروجيني بعدة طرق يمكن تقسيمها إلى أربع فئات كما يلي:
وفيما يلي تفاصيل كل طريقة على حدة:
يمكن تطبيق هذه الطريقة بطريقتين:
عيوب هذه الطريقة تشمل:
تُعتبر هذه الطريقة محدودة ولا تستطيع قياس الرقم الهيدروجيني للمياه النقية، كما أنها ليست دقيقة بل أكثر عرضة للأخطاء لأسباب عديدة مثل:
تتطلب هذه الطريقة صنع قطب الهيدروجين من خلال إضافة البلاتينيوم إلى سلك أو صفيحة بلاتينية، ثم وضعه في محلول الاختبار وتمرير شحنة كهربائية عليه مما يؤدي إلى تشبع المحلول بغاز الهيدروجين.
يُقاس الجهد بين القطب البلاتيني الأسود وقطب كلوريد الفضة، وهو قطب مرجعي، ويتناسب الجهد هنا عكسيًا مع الرقم الهيدروجيني، وتعتبر هذه الطريقة الأصح في قياس الرقم الهيدروجيني.
وفيما يتعلق بالعيوب، فهي غير مناسبة للاستخدام اليومي بسبب الحاجة إلى جهد كبير ومواد ومال، كما أن التعامل مع غاز الهيدروجين والمواد المختزلة والمؤكسدة داخل المحلول يشكل تحديًا كبيرًا.
تتركز هذه الطريقة في إضافة عنصر الكوينهيدرون إلى المحلول الكهرلي، حيث ينفصل إلى مركبين هما الهيدروكينون والكينون، ويعتمد الرقم الهيدروجيني للمحلول على قابلية ذوبان الكينون، مما يسمح بقياس الرقم الهيدروجيني عن طريق قياس الجهد بين قطب البلاتين والقطب المرجعي الآخر.
عيوب هذه الطريقة:
تُعتبر نادرة الاستخدام بسبب فشلها في وجود أي مواد مختزلة أو مؤكسدة، أو إذا كانت درجة حموضة محلول الاختبار أعلى من 8 أو 9.
يمكن اتباع هذه الطريقة من خلال إعداد قضيب أو قطب من الإثمد المصفح، وقطب كهربائي مرجعي، ومحلول اختبار، ثم غمر طرف الإثمد وطرف القطب الكهربائي المرجعي الآخر في المحلول وقياس فرق الجهد بينهما لمعرفة الرقم الهيدروجيني.
تُعتبر هذه الطريقة شائعة الاستخدام في الماضي بسبب سهولة استخدامها وفاعلية المواد، ولكن استخداماتها الآن تقتصر على نطاق محدود.
عيوب هذه الطريقة:
لم تعد تُطبق بصورة واسعة كالسابق، حيث أن نتائجها تختلف اعتمادًا على عوامل متعددة مثل درجة صقل قطب الإثمد، مما يجعلها غير دقيقة بشكل كبير، وهي تُستخدم الآن في الحالات التي لا تتطلب استعدادًا دقيقًا، مثل الاستخدام الصناعي.
يمكن تطبيق طريقة الزجاج الكهربائي باستخدام قطبين؛ الأول قطب زجاجي كهربائي، والثاني قطب مرجعي، وغمرهما في المحلول لقياس مقدار الجهد بينهما ومعرفة الرقم الهيدروجيني.
تُعتبر هذه الطريقة من أكثر الطرق شيوعًا في قياس الرقم الهيدروجيني نظرًا لتوازن الجهد فيها ولإمكانية استخدام المواد مجددًا لنفس الغرض، فضلاً عن القدرة على تطبيقها على أنواع متعددة من محاليل الاختبار، إضافة إلى دقتها حتى بحضور مواد مختزلة أو مؤكسدة داخل المحلول.
تُستخدم هذه الطريقة في مجالات عديدة، وليس فقط في المجال الصناعي، لذا يُوصى باستخدام القطب الكهربائي الزجاجي بدلاً من قطب الهيدروجين لقياس الرقم الهيدروجيني.
في هذه الطريقة، يُستبدل القطب الزجاجي بشريحة أشباه الموصلات أو حساس. وقد بدأ تطوير هذه الحساسات منذ عام 1970م تحت اسم ترانزستور تأثير المجال الحساس للأيونات (بالإنجليزية: ion sensitive field effect transistor) واختصارًا (ISFET)، وهو من المواد التي تسهل التعامل بها وتتميز بمقاومتها للتلف.
هذا المستشعر صغير الحجم، مما يسمح باستخدام كمية قليلة من عينة القياس أو إجراء القياسات في مساحة محدودة جدًا أو على أسطح صلبة، لذلك فهو الطريقة المثلى لهذه الغايات في مجالات محددة مثل الطب والبيولوجيا.
تُكوِّن الأحماض محاليلها من خلال إنتاجها لأيوني الهيدروجين والأيون السالب الآخر، ويمكن توضيح تكوين المحاليل الحمضية من خلال المعادلة العامة التالية حيث يمثل (A) الأيون السالب:
-HA → H+ + A
ومن الأمثلة عليها:
تُعتبر القواعد مركبات أيونية تُنتج أيون الهيدروكسيد (-OH) السالب في محاليلها من كل من: الهيدروكسيد (-OH)، الأكسيد (-O2)، الكربونات (CO3-2)، والبيكربونات (-HCO3)، ويمكن توضيح تكوين المحاليل القاعدية من خلال المعادلة العامة التالية حيث يمثل (M) الأيون الموجب:
-MOH → M+ + OH
كمثال على ذلك، محلول هيدروكسيد الصوديوم: -NaOH → Na+ + OH
تتفاعل الأكاسيد والكربونات والبيكربونات مع الماء بشكل معقد لإنتاج أيون الهيدروكسيد، ومن الأمثلة عليها:
تُعرَف التفاعلات الكيميائية بين الأحماض والقواعد بتفاعلات التعادل (بالإنجليزية: Neutralisation Reactions)، مما يعني أن كمية أيونات الهيدروجين وأيونات الهيدروكسيد الداخلة في التفاعل متساوية، ما يُنتج محلولاً متعادلاً يتكون من الماء والملح، مثل أملاح: كلوريد الصوديوم (NaCl)، وكبريتات المغنيسيوم (MgSO4)، وأسيتات البوتاسيوم (KCH3COO).
استنادًا إلى نوع القاعدة الداخلة في التفاعل، قد يُنتج ثاني أكسيد الكربون، وفي حال تفاعل المواد الناتجة مع الماء، ينتج عنها محاليل ذات تأثير قاعدي أو حمضي.
توجد أربعة أنواع رئيسية لتفاعلات الأحماض والقواعد، تختلف بحسب نوع القاعدة الداخلة في التفاعل، وهي:
HCl + NaOH → NaCl + H2O
HCl + Na2O → NaCl + H2O
HCl + Na2CO3 → NaCl + CO2 + H2O
HCl + NaHCO3 → NaCl + CO2 + H2O
تُعرَف كواشف الأحماض والقواعد بأنها مواد ضعيفة تتغير ألوانها وفقًا للرقم الهيدروجيني (pH)، وتُعتبر أيضًا مؤشرات. وفيما يلي جدول يوضح بعض أنواع الكواشف الكيميائية وتغيّر ألوانها وفقًا لكون المادة حمضية أم قاعدية:
اسم الكاشف | لونها في الحمض | لونها في القاعدة | ثابت الحموضة (pK)* | مدى الرقم الهيدروجيني (pH) |
أزرق الثايمول – تحول أول | أحمر | أصفر | 1.5 | 1.2-2.8 |
برتقالي الميثيل | أحمر | أصفر | 3.7 | 3.2-4.4 |
أخضر البروموكريسول | أصفر | أزرق | 4.7 | 3.8-5.4 |
أحمر الميثيل | أصفر | أحمر | 5.1 | 4.8-6.0 |
أزرق البروموثايمول | أصفر | أزرق | 7.0 | 6.0-7.6 |
أحمر الفينول | أصفر | أحمر | 7.9 | 6.8-8.4 |
أزرق الثايمول – تحول ثاني | أصفر | أزرق | 8.9 | 8.0-9.6 |
فينول فثالين | عديم اللون | أرجواني | 9.4 | 8.2-10.0 |
تُستخدم العديد من الأحماض والقواعد على نطاق واسع في مجالات متعددة، وفيما يلي استخدامات بعض الأحماض:
تُستخدم العديد من أنواع القواعد في مجالات مختلفة، منها:
أحدث التعليقات