لطالما كانت قضية شكل الأرض محور اهتمام البشرية منذ بداية وجودها على هذا الكوكب، وأفضى التفكير العميق في هذا الموضوع إلى نشوء العديد من النظريات المتباينة.
تباينت الآراء والنظريات حول هذا الأمر بين الثقافات المختلفة، ومن بينها التأثيرات المستمدة من التراث الديني. وقد تم الحكم على العالم غاليليو بالإعدام بسبب إصراره على فكرة كروية الأرض. في هذا المقال، سنستعرض أول من اكتشف كروية الأرض.
كوكب الأرض
يمكننا تلخيص المعلومات المتصلة بشكل كوكب الأرض ضمن النقاط التالية:
- في العصور القديمة، كانت المفاهيم السائدة تشير إلى أن الأرض تشكل قرصاً دائرياً مرفوعاً فوق سطح المحيط، بحيث تحيط به المياه من جميع الجهات.
- أما السماء فكانت تُصوَّر على أنها صحن مقلوب يحيط بقرص الأرض.
- استمر هذا التصور سائداً في مختلف المناطق حول العالم، بما في ذلك بلاد ما بين النهرين.
- وجد هذا الاعتقاد أيضاً في بلاد فارس والإمبراطورية الرومانية وأوروبا حتى زمن كولومبوس.
- هذا التأثير كان نتيجة لهيمنة الكهنة ورجال الدين على عقول الناس، ما منعهم من التعبير عن آرائهم.
- كما قام العالم هكتاتيوس برسم خرائط للأرض بناءً على هذا التصور، حيث سار المجتمع بعيداً عن الأبحاث والنظريات العلمية.
- كانت المعابد تمثل المصدر الوحيد للمعرفة، ولم يكن باستطاعة أحد معارضتها.
أول من أكد على كروية الأرض
في إطار الحديث عن أول من طرح فكرة كروية الأرض، يمكن تلخيص النقاط الأساسية كالتالي:
- تشير بعض المصادر التاريخية إلى أن الإغريق هم أول من أشار إلى كروية الأرض.
- يعتقد أن العالم الإغريقي فيثاغورث كان من الرواد في هذا المجال حيث طرح فكرته في عام 500 قبل الميلاد.
- وقد استند فيثاغورث إلى ملاحظته لتغير شكل القمر خلال الشهر، حيث ذكر أن القمر كروي، وبالتالي يجب أن تكون الأرض كذلك.
- ووفقاً للقول الآخر، يُنسب إلى الفيلسوف الإغريقي أفلاطون أنه قال بكروية الأرض في عام 348 قبل الميلاد، على الرغم من عدم وجود أدلة علمية تدعم رأيه.
- لذا فإن رأيه لم يحظَ بتأييد واسع من العلماء فيما بعد.
- شهدت النظرية عن كروية الأرض مزيداً من التطور بفضل العالم المسلم ابن خردذبة، الذي أشار إلى كروية الأرض في عام 885 ميلادي من خلال مؤلفه الشهير المسالك والممالك.
- ثم جاء العالم الروسي نيكولا كوبرنيكوس في القرن الخامس عشر الميلادي ليؤكد على كروية الأرض ودورانها حول الشمس، ولكن لم تُنشر كتاباته إلا بعد وفاته بسبب الهيمنة الكنسية.
- كما أثبتت كتابات البحار ماجلان وتلميذه سيباستيان في القرن الخامس عشر الميلادي أن الأرض كروية من خلال رحلاتهم عبر الأطلسي إلى الهند.
- بعد ذلك، وبحلول القرن التاسع عشر، وبفضل التقدم العلمي في مجال التلسكوبات، تم إثبات كروية الأرض بشكل قاطع بعد أن تحرر العلم من سيطرة الكنيسة.
استدلالات القدماء على كروية الأرض
في حديثنا عن أول من اكتشف كروية الأرض، يمكن أن نستدرك أن الاستدلالات على كرويتها كانت مبنية على النقاط التالية:
-
خسوف القمر: كان خسوف القمر هو الدليل الأبرز للعالم أناكساغوراس في عام 450 قبل الميلاد.
- حيث استنتج أن ظل الأرض يسقط على القمر أثناء الخسوف، مما يشير إلى أن الشكل الوحيد الذي يكون له ظل دائري هو الشكل الكروي.
-
مواقع النجوم: استخدم الفيلسوف أرسطو تغير مواقع النجوم للتدليل على كروية الأرض.
- مثلاً، يشاهد نجم الشمال بشكل مختلف حسب موقع الناظر، فهو يظهر فوق الرأس في القطب الشمالي، ويصبح مرئيًا في الأفق الشمالي عند الاستواء، بينما لا يظهر في أستراليا.
طرق القدماء في قياس محيط الأرض
لاستعراض طرق قياس محيط الأرض لدى القدماء، يمكن تلخيص المعلومات كالآتي:
- لم يكن معلوماً لدى العلماء في الماضي محيط الأرض بدقة، رغم محاولاتهم للقياس حتى جاء العالم المصري إراتوستينس في عام 200 قبل الميلاد.
- اعتمد إراتوستينس على رأي أرسطو القائل بكروية الأرض، حيث أجرى حسابات رياضية هندسية لقياس محيطها.
- استند في قياسه إلى وجود الشمس فوق أسوان في أول أيام الصيف.
- قاس مقدار إزاحة الشمس بين أسوان والإسكندرية في ذروة الصيف، والتي كانت تعادل درجتين.
- بما أن الدائرة تحتوي على 360 درجة، فإن الإزاحة تمثل 1/50 من محيطها.
- تعادل المسافة بين أسوان والإسكندرية 5000 ستاديا، لذا كان محيط الأرض يساوي 5000 مضروبًا في 50.
- وبما أن الستاديا يُعادل 15 كيلومترًا، فقد قدر إراتوستينس محيط الأرض بـ 40000 كم، وهو رقم قريب جداً من المحيط الحقيقي البالغ 40070 كم.
- كما قاس إراتوستينس نصف قطر الأرض، والذي قدره بـ 6366 كم، بينما القطر الحقيقي 6378 كم، مع فارق ضئيل لا يتجاوز 12 كم.
كروية الأرض في القرآن الكريم
يُعتبر العلماء المسلمون من الأوائل في مجالات الهندسة والرياضيات والفلك، خصوصًا في عصر الدولة العباسية، ومن أبرزهم:
-
القزويني، الذي عاش في القرن الثالث عشر الميلادي. حيث ذكر في كتابه “عجائب المخلوقات” أن الأرض كروية.
- استند في تحليله على حادثة خسوف القمر، موضحًا أن الخسوف يُرى بالتتابع في أوقاتٍ مختلفة.
- فإذا كانت الأرض مسطحة، لكان بالإمكان رؤيتها في ذات اللحظة من جميع الأرجاء.
- ثم يستند إلى الآية الكريمة (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ).
- كما أشار بعض العلماء المسلمين إلى آيات تدل على كروية الأرض، مثل قوله تعالى (وأذِّنْ في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتوك من كل فج عميق).
- حيث اعتبر العلماء أن كلمة “عميق” تشير لكروية الأرض، إذ لو كانت مسطحة لقال “من كل فج بعيد”.
- كذلك تشير الآية الكريمة (والأرضَ بعدَ ذلك دحاها) إلى كروية الأرض، لأن كلمة “دحية” تعني بيضة الدجاج عند العرب.
أحدث التعليقات