أريد أن أخبرك بشيء – ماذا؟ – صحيح أنه انهيار عصبي… لكن ليس هنا – أين إذن؟ أشار إلى صدره بهدوء وقال: – هنا – الانهيار العصبي لا يحدث هنا على الإطلاق – من قال ذلك؟ – الأطباء – إنهم بلا عقل.
لقد حاولوا إذابتي كقطعة سكر في فنجان شاي ساخن. وبذلوا، يشهد الله، جهدًا عظيمًا من أجل ذلك، لكنني ما زلت موجودًا على الرغم من كل شيء.
لقد خدعتنا البلاغات ثم جاءت الحقيقة بكل مرارتها لتخدعنا مرة أخرى.
أعلم لماذا ضاعت فلسطين. كلمات الجرائد لا تفيد يا بني، فهم – أولئك الذين يكتبون في الجرائد يجلسون في مقاعد مريحة ويكتبون في غرف واسعة مليئة بالصور والمدافئ، ثم يتحدثون عن فلسطين، وعن حرب فلسطين، دون أن يسمعوا رصاصة في حياتهم.
البرتقال الذي ذكره لنا الفلاح الذي كان يزرعه ثم غادر، قال إنه يذبل إذا تغيرت اليد التي توفر له الماء.
لماذا لا تكون ندًا قبل أن تموت؟
أجمل ما ورد في رواية “أرض البرتقال الحزين”
لم يخطر له لحظة أنه قريب من الموت، كما أنفه من الهواء.
وضعوني في زنزانة عميقة، لكي أقول إنها لحظة جنون، لكنني في تلك الزنزانة تأكدت أكثر من أي لحظة مضت أن تلك كانت لحظة العقل الوحيدة في حياتي.
كنتم مكدسين هناك، بعيدين عن طفولتكم كما كنتم بعيدين عن أرض البرتقال… البرتقال الذي تحدث عنه الفلاح عندما قال إنه يذبل إذا تغيرت اليد التي تعتني به.
وعندما كنت أبعد عن المنزل، كنت أفقد طفولتي في ذات الوقت، كنت أشعر أن حياتنا لم تعد شيئًا يسيرًا يمكننا أن نعيشه بهدوء… الأمور قد وصلت إلى حد لم يعد معه حل إلا برصاصة في رأس كل واحد منا…
ثم ماذا؟ هذا النوع من الأسئلة يا سيدي غير عادي للغاية، لأنه إذا جاء لن يكون قادراً على المغادرة قبل أن يروي ظمأه تمامًا!
إن الحياة لا قيمة لها ما لم تكن دائمًا متعلقة بالموت.
أجمل ما كتب غسان كنفاني في رواية “أرض البرتقال الحزين”
ورقة من الطيرة… الحمد لله أنني لم أكن خائنًا ولا جبانًا في أي يوم مضى.
ورقة من الرملة… وكنت أرى كيف كانت والدتي تنظر إليّ وهي تبكي بصمت، وتمنيت لحظتها لو أستطيع أن أخبرها أنني بخير، وأن الشمس لا تؤثر فيّ كما تتخيل.
ورقة من الطيرة… ماذا يمكن أن يفعل ملاك سقط فجأة إلى جهنم وعلقت جناحاه في براثين الشياطين؟
ورقة من الطيرة… المسؤولون لم يحافظوا على أبطالهم!
ورقة من غزة… لمست شفاهك الباردة وجنتي، ثم أدرت وجهك نحو الطائرة، وعندما نظر إليّ مرة أخرى رأيت دموعك.
ورقة من غزة… كانت حياتي ضيقة، فارغة، كمحارة صغيرة: ضياع في وحدة ثقيلة، وصراع مع مستقبل غامض كأول الليل، وروتين تالف، ونضال ممل ضد الزمن، كل شيء كان لزجًا وحارًا، كانت حياتي كلها زلقة، كلها انتظار لنهاية الشهر.
مقتطفات من رواية “أرض البرتقال الحزين”
لم يتمكن الناس من دفن أبي عثمان كما أراد، إذ عندما ذهب إلى غرفة القائد ليعترف بما يعرف، سمع الناس انفجارًا هائلًا دمر المنزل وضاعت أشلاء أبي عثمان بين الأنقاض. وقالوا لأمي، التي كانت تحملني عبر الجبال إلى الأردن، إن أبا عثمان عندما ذهب إلى متجره قبل أن يدفن زوجته، لم يعد إلا بالفوطة البيضاء.
ينبغي علينا أن نصمت عندما يتحدث الأب عن مشاكله، ونهز رؤوسنا مبتسمين عندما يقول لنا اصعدوا الجبل ولا تعودوا إلا في الظهر.
أما جسد معروف، فقد دفن في حفرة واحدة مع أجساد عديدة اضطجعت كما قال الحفار كتفًا إلى كتف. ولقد لفت نظر الحفار جسد هزيل قصير لشاب قُتل بعدة رصاصات في ظهره، كان الجسد يرفض أن يستقيم مع بقية الأجساد، كان منحنياً، مرتاحًا على ركبتيه وجبهته، وقد اضطر أخيرًا لدفنه على تلك الشاكلة، كأنه يصلي…
أحدث التعليقات