تتناول العلوم الإنسانية دراسة الواقع الخاص بالبشر وتفاعلاته المختلفة. ومع ذلك، تواجه هذه العلوم أحيانًا مجموعة من العوائق الإبستمولوجية. أبرز هذه العوائق تشمل:
يتعين على الباحث دراسة الموضوع بطريقة حيادية تمامًا، حيث إن الظواهر الإنسانية ليست مستقلة تمامًا عن الإنسان نفسه، فهو من يقوم بتحليلها وما يصدر منه من مشاعر وإرادات. لذا، لا يمكن الاعتماد على الأساليب العلمية كما هو الحال في العلوم الأخرى. مع ذلك، شهدنا في السنوات الأخيرة بعض الدراسات الإنسانية التي تمكن العلماء من تجاوز هذه التحديات من خلال تقليص التأثيرات الذاتية بشكل تدريجي، خاصة في مجال علم النفس.
نظرًا لأن الحوادث الإنسانية تحدث في إطار زمني بعيدًا عن المحددات المكانية، فإن الملاحظة المباشرة لها ليست ضرورية كما هو الحال في موضوعات علمية أخرى. ويمكن التغلب على هذه العقبة من خلال اعتماد الملاحظة غير المباشرة، التي تستند إلى آثار الحادث مثلما يحدث في دراسة التاريخ.
يُعتبر التجريب ملاحظة مصطنعة، حيث تُعَدّ الظواهر الإنسانية صعبة الملاحظة، ولا يمكن إعادة بناء ظروفها الأصلية، لأنها دائمة التغير. لذلك، يجب إعادة بنائها على الصعيد الفكري.
من المعروف أن التقدير الكمي مفيد في العلوم المادية، بينما تمثل الحوادث الإنسانية مجالًا نوعيًا يصعب قياسه بشكل كمي.
يُعتبر استخدام أسلوب التعميم غير ملائم عند دراسة الظواهر الإنسانية التي تكون غالبًا نتاج إرادة حرة، مما يجعل تحليلها أمرًا صعبًا. للتعامل مع هذه المشكلة، يمكن تطبيق مبادئ الاحتمالات في العلوم الإنسانية، كما تم استخدام بعض هذه المبادئ في قوانين الميكروفيزياء.
تتعدد العوائق التي تواجه كل نظام معرفي، وهو ما يوضح تعقيد التجارب التي تمر بها هذه الأنظمة حتى تصل إلى نتائجها النهائية. ويشير (غاستون باشلار) إلى أن كل مرحلة تمثل عوائق تنبع من بنيتها الداخلية، وفي ما يلي أبرز هذه العوائق التي حددها باشلار:
يعتبر باشلار أن أحد أبرز ميزات المعرفة العلمية هو فصل الفكر عن الواقع من خلال التركيب العقلي المُدرك، مما يضيف طابعًا عقلانيًا على التجربة. وتظهر هنا أولى العوائق (عملية التركيب العقلي المُدرك) حيث تتخفى القيود الفكرية في بنية التجربة.
يُشير إليه أيضًا بعبارة (العائق المُعيق)، إذ يُعتبر من أقوى العقبات التي عرقلت تطور المعرفة العلمية منذ زمن أرسطو وحتى بيكون، حيث تنقسم إلى نوعين: تعميم بناءً على ضرورات علمية وتعميم عقيم.
يتضمن هذا العائق الأبعاد البيولوجية والتفسيرية، حيث يتعلق بالكشف عن المعرفة البيولوجية والفزيولوجية، ويعمل على تحليله وفقًا للمعايير الموضوعية، بما يتيح تفهم الحدود الإبستمولوجية المتعلقة به.
لقد رفض باشلار استخدام منهجيات الإبستمولوجيا المتعلقة بالمملكة الحيوانية بسبب ترابط الممالك الثلاث (النباتية، الحيوانية، والمعدنية)، مشيرًا إلى أن كل مملكة تتمتع بقوانين وطبيعة مميزة تجعل من الصعب تطبيق القوانين البيولوجية على الحيوانات دون تكييف.
تشير العوائق الإبستمولوجية إلى العقبات التي تعيق تطبيق المنهج التجريبي. تتأثر هذه العقبات أيضًا بالطبيعة الخاصة للموضوعات، ويعزى البعض منها إلى صعوبة استيعاب المنهجية العلمية، مما يجعل المكبوتات العقلية تتداخل كعوامل نفسية تؤثر سلبًا على العملية المعرفية، محدثة حواجز واضطرابات تعيق التقدم في الفهم.
تُعتبر هذه العوائق أكثر نفسية منها سطحية، وينبغي على المناهج العلمية تحديد هذه العوائق لفهم تاريخ العلوم بطريقة غير جامدة. يتطلب تخطي هذه العوائق النفسية الاعتماد على البحث المستمر والتطور، من خلال التحلي بروح متواضعة وعلمية وأخلاقية، مع التركيز المستمر على علوم متعددة ومتنوعة.
أحدث التعليقات