إن مفهوم الطبيعة الإنسانية يعد من المبادئ الأساسية التي تتأسس عليها الفلسفة السياسية عبر العصور. للإجابة عن سؤال “لماذا يتمتع بعض الأفراد بالسلطة؟” يتطلب الأمر فهم الصفات التي تدفع الإنسان إلى الحاجة إلى سلطة تحكمه وتنظم شؤونه. تعتبر الطبيعة الإنسانية في الفلسفة المثالية مجموعة من الخصائص التي تؤهل كل فرد لتولي منصب معين في الدولة، أو في مرحلة ما بعد إبرام العقد الاجتماعي.
تُعرف مرحلة ما بعد العقد بأنها المرحلة المقابلة للمرحلة الطبيعية، حيث يتميز سلوك الفرد في هذه المرحلة بالعفوية وعدم الالتزام بمعايير محددة. تُعدّ هذه المرحلة أساسية في تحديد طبيعة السلطة وحدودها، بالإضافة إلى واجبات وحقوق المواطنين وأدوارهم. وقد قيل عن أفلاطون أنه أشار إلى أنه إذا أردت معرفة حقيقة شخص ما، فعليك منح السلطة له ومراقبة سلوكه.
من خلال ذلك، يمكنك استنتاج ما إذا كان الشخص يستحق السلطة أم لا، وما إذا كان مؤهلاً للحكم. اعتمدت المدرسة المثالية في الفلسفة على الآراء والملاحظات الشخصية، مما جعلها بعيدة عن الواقع، ولم تستند إلى نتائج العلوم الطبيعية والطبية. وتعتبر هذه المدرسة من أقدم وأعرق المدارس الفلسفية.
سقراط، الذي يعد أستاذ أفلاطون، أثرى فلسفته وخصوصاً في مفهوم الطبيعة الإنسانية. رغم عدم وجود كتابات أكاديمية مباشرة لسقراط، إلا أن أفلاطون وثق معظم آرائه، خاصة في المحاورات التي تعكس محادثاته مع أصدقائه وتلاميذه. تناول سقراط مفهوم الطبيعة الإنسانية عبر مناقشة أفكار الخير والشر ضمن إطار الأخلاق.
بحسب سقراط، الفضيلة العليا هي المعرفة والرغبة في اكتسابها، حيث لا يمكن أن تكون الأخلاق سابقة للعلم. وهذا يبرز العلاقة بين المعرفة والأخلاق، بحيث لا يمكن للطبيعة الإنسانية أن تجعل من الفرد إنسانًا أخلاقيًا دون المعرفة. في هذا السياق، يقول سقراط: “إذا كان هدف السفسطائيين التأكيد على الذات، فإنني أنصح شباب أثينا بأن يعرفوا أنفسهم”.
من خلال هذه الوصية، يدعو سقراط إلى ضرورة أن يكون معرفة الفرد بنفسه شاملة، بحيث ينبغي أن يعي حدود معرفته ويعترف بجهله. هذه المعرفة هي التي تقدم معايير لسلوكه وتضبط ردود أفعاله، مما يدل على تركيز سقراط على مفاهيم المعرفة والفضيلة والخير الأعلى حيث شكلت هذه الأفكار أساس تصوره للطبيعة البشرية.
بالنسبة لسقراط، الإنسان لا يمكن أن يخطئ إلا نتيجة الجهل، حيث يُعرف الجهل بأنه رذيلة في مفهومه. لكن نظرية سقراط حول طبيعة أخطاء البشر واجهت انتقادات، إذ أن طبيعة الإنسان قد تؤدي به إلى ارتكاب الأخطاء حتى وهو ملم بالمعرفة.
يمكن اعتبار أن أساس فلسفة أفلاطون المثالية يتجسد في فهمه للطبيعة الإنسانية. ويمكن توضيح ذلك من خلال النقاط التالية:
الفئة | النفس/ الخصائص المميزة | الفضيلة |
الحكام (يفترض أن يكونوا فلاسفة) | النفس العاقلة: وهي أعلى مراتب النفس، لا يصل إليها إلا من كان متمكنًا من علم الرياضيات والهندسة وقادرًا على التأمل. | الحكمة |
الجنود والحراس | النفس الغضبية: يتوجب عليها الالتزام بالمهمة الموكلة إليها. | الشجاعة |
عامة الناس: العمال والمُصنِّعين ممن يبذلون جهودًا جسدية. | النفس الشهوانية: تتواجد في قمة هذا الهرم، وتعد العدالة الفضيلة الرباعية التي تضبط فضائل النفوس. | العفة |
أحدث التعليقات