تحليل صحة حديث (اتقوا فراسة المؤمن)

ذكرت الأحاديث المنقولة عن أبي سعيد الخدري، وأبي أمامة، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمر، وثوبان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (اتقوا فَرَاسةَ المؤمنِ، فإنه ينظرُ بنورِ اللهِ).

تباينت آراء العلماء حول صحة هذا الحديث، حيث اعتبره معظمهم ضعيفاً إلى ضعيف جداً، ولم يتم تصحيحه من قبل أي منهم. وقد أشار ابن الجوزي إلى أن الحديث موضوع، ويعتبر الأرجح أنه ضعيف جداً.

ما هو مفهوم فراسة المؤمن؟

تستند الفراسة إلى مفهوم الفروسية، حيث تشبه الفروسية في قدرتها على قطع المسافات، بينما تسمح الفراسة للمرء بأن يستشعر ببصر قلبه بنور الله -سبحانه وتعالى- الأمور والسمات التي قد لا تكون واضحة للآخرين.

يمكن تقسيم الفراسة إلى نوعين:

• النمط الأول: وهو ما يلقيه الله -سبحانه وتعالى- في قلوب أوليائه، مما يمكنهم من استشعار أحوال الناس، ويُعتبر من الكرامات.
• النمط الثاني: وهو ما يتشكل نتيجة للتجارب والدروس الأخلاقية.

العوامل التي تسهم في فراسة المؤمن

هناك عدة أسباب تعزز من قدرة الفراسة الإيمانية، ومن أبرزها:

• الإيمان العميق بالله -سبحانه وتعالى-، والصدق في النية، وكثرة ذكر الله.
• حدة الذكاء وسرعة البديهة والتفكير.
• نقاء القلب من الشبهات وحب الشهوات والاهتمامات الدنيوية، والابتعاد عن المعاصي.
• حسن الأخلاق، وخاصة الصدق، وطعام الحلال، وحفظ البصر.

أنواع الفراسة

تتفاوت الفراسة إلى ثلاثة أشكال كما يلي:

• فراسة إيمانية

تعتبر هذه الفراسة نوراً يودعه الله -سبحانه وتعالى- في قلوب أوليائه، من خلالها يتم التمييز بين الحق والباطل، وهي محور بحثنا. وفيما يلي بعض القصص التي توضح فراسة أولياء الله:

• يروي عبد الله بن عمر عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قصصاً تدل على فراسته، إذ لم يكن يسمعه يقول: “إني لأظن كذا” إلا وكان الأمر كما ذكر.
• جاء رجل إلى عمر بن الخطاب وسأله عن اسمه، فقال: “جمرة”، فسأله عن اسم أبيه، فأجاب: “شهاب”، ثم سأله عن قبيلته، فأجاب: “من الحرقة”، وعندما استفسره عن مسكنه قال: “حرَّة النار”، فسأله عن أي حرَّة، فقال: “ذات لظى”، حينها قال عمر -رضي الله عنه-: “أدرك أهلك فقد احترقوا”، وبعد أن ذهب الرجل، تبين أنه كان كما توقع عمر.
• قبل وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بفترة قصيرة، أبلغ النبي عن عبدٍ خُيّر بين الدنيا وما عند الله -سبحانه وتعالى-، فاختار ما عند الله، وقد بكى أبو بكر الصديق حينها، ما أثار تعجب الناس حتى تبين لهم بعد وفاته أنه كان أعلمهم بما يقصد النبي.

• فراسة رياضية

تظهر هذه الفراسة نتيجة الجوع وقلة الطعام والنوم، وتختلف في كينونتها بين المؤمن والكافر، فهي قد تكون محمودة وقد تُعتبر مذمومة. وعلى الرغم من ذلك، فإنها لا تعكس قوة الإيمان، وقد يخطئ من يبالغ في الاعتماد عليها.