الحَبر، بكسر الحاء، يشير في اللغة إلى الفاضل أو العالم، وجمعه أحبار. يُستخدم هذا المصطلح عادةً للإشارة إلى علماء الدين، وخاصة أولئك الذين ينتمون إلى ديانات غير إسلامية، مثل بطاركة النصارى ورؤساء كهنة اليهود. وقد أُطلق لقب “حبر الأمة” على الصحابي الجليل عبد الله بن عباس، كناية عن علمه ورحابة معرفته. كما يُستعمل تعبير “الحبر الأعظم” للإشارة إلى البابا، رئيس كهنة النصارى. أما سفر الأحبار فهو الثالث من أسفار التوراة، ويتناول الأعياد اليهودية وطقوسهم وأمور الذبائح. بالنسبة للراهب، فهو لفظ ذو جذور تُشير إلى الخوف والرهبة، ويعكس حالة من التبتل والعبادة والانقطاع عن الناس، بالإضافة إلى التخلي عن ملذات الحياة. ويُستخدم اللقب أيضاً للإشارة إلى المرأة التي تعبد في صومعة خاصة بالنصارى، أو تتجه إلى القيام بأعمال الخير، مثل رعاية الأطفال في المستشفيات أو دور الرعاية.
في تفسير الآية 31 من سورة التوبة، أشار الطبري إلى أن وكيع نقل عن أبيه سالمة عن الضحاك حول معنى قوله تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) حيث يُفهم من ذلك أن الناس قد اتخذوا علماءهم وقرّاءهم سادة لهم بدلاً من الله، يطيعونهم في ما يُحلّلونه أو يحظرونه. فقد يجيزون لهم ما حرّمه الله، أو يمنعون عليهم ما أحله الله. وقد أوضح النبي محمد صلى الله عليه وسلم هذا المعنى، عندما جاءه عدي بن حاتم وهو نصراني، واستمع له وهو يقرأ الآية المشار إليها، فقال له عدي: “إننا لسنا نعبدهم”. فأجابه النبي: “أليس يحرمون ما أحل الله فتحرّمونه، ويحلّلون ما حرّم الله فتحلّونه؟” فقال عدي: “بلى”، فأوضح النبي أن هذا يُعتبر عبادة لهم.
استخلص شيخ الإسلام ابن تيمية مجموعة من الدروس من هذه الآية، منها أن الاحتجاج بكلام الحاكم يكون مُبطلاً إذا تعارض مع السنة. وأكد أن المسلمين عند تنازعهم في شيء يجب عليهم أن يرجعوا إلى الله ورسوله، عكس النصارى الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله، يُحلّلون ما يُريدون ويُحرمون ما يرغبون. التشريع الحق هو من عند الله وسنة نبيه، ويتجلى ذلك في فهم المسلمين لمركزية دينهم، حيث لا يفترضون أن يُحرم عليهم الله ما يشاء من التشريعات. ومن الآية نستخلص أن الله هو مالك المشرق والمغرب، وهي دعوة لتقصي الهداية والاعتراف برحمة الله في توجيه البشرية إلى سواء السبيل.
أحدث التعليقات