ابن قتيبة: عالِم الأدب والتاريخ في التراث العربي

ابن قتيبة

هو أبو محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، المعروف باسم ابن قتيبة، يُعتبر من أبرز علماء القرن الثالث الهجري. كان عالماً وفقيهاً وناقداً وأديباً لغوياً. قد اختلفت المصادر التاريخية حول مكان وتاريخ ولادته؛ حيث ذُكر أنه وُلد في الكوفة أو بغداد. لكن الرأي الغالب يشير إلى أنه وُلد في عام 213هـ، ما يتوافق مع عام 828م. لم يمكث طويلاً في مسقط رأسه، إذ انتقل في سن مبكرة إلى بغداد، حيث نشأ وتلقى العلم على يد علمائها. عاش الجزء الأكبر من حياته في بغداد، كما قاد ولاية القضاء في الدينور، والتي نُسِب إليها.

نشأة ابن قتيبة وحياته العلمية

عاش ابن قتيبة معظم حياته في بغداد، حيث اجتمع علماء البصرة والكوفة وقد درس على أيديهم مجموعة متنوعة من العلوم، مثل الحديث والفقه والتفسير واللغة والأدب والنحو والتاريخ. من بين هؤلاء العلماء الذين تأثر بهم: أبو حاتم السجستاني الذي درس عليه النحو واللغة والقراءات، وأبو الفضل الرياشي في مجالات اللغة والشعر، والقاضي يحيى بن أكثم، والجاحظ، وإسحاق بن راهويه، أحد الأئمة البارزين. يُعتبر ابن قتيبة رائد المدرسة البغدادية التي تمزج بين مدرسة البصرة ومدرسة الكوفة.

عاش ابن قتيبة في زمن الدولة العباسية وشهد ذروتها، بالإضافة إلى التوتر الثقافي بين العرب والفارسيين وصراعات الأجناس المختلفة. كما عاصر أيضاً التحولات الفكرية للاعتزال، مما كان له تأثير كبير على طريقة تفكيره، وقد تجلى هذا الأثر في مؤلفاته المتنوعة.

الحياة العملية لابن قتيبة

تولى ابن قتيبة منصب القضاء في مدينة دينور الواقعة في بلاد فارس، ومن هنا نُسب إليه لقب الدينوري. هناك، التقى بالعديد من العلماء والفقهاء وتبادل معهم المعرفة في مجالات الفقه والحديث. في زمن المتوكل العباسي، الذي ساهم في إنهاء عصر المعتزلة، عاد ابن قتيبة إلى بغداد، حيث كرس جهوده للارتقاء بمكانة السنة والدفاع عنها ضد الخصوم، وقد ذكر أنه كان في أهل السنة كالجاحظ في المعتزلة.

تواصل ابن قتيبة أيضاً مع أبي الحسن عبيد الله بن يحيى، وزير المتوكل، وقد أهده كتاباً غنياً بالمعرفة والأدب. في بغداد، شغل منصب مدرس، حيث كان يُعقد حلقات دراسية لطلابه، وقد تتلمذ على يديه عدد من الأسماء المعروفة مثل أبو بكر محمد بن خلف المرزباني، وأبو القاسم إبراهيم بن محمد بن أيوب بن بشير، وابنه أبو جعفر أحمد بن عبدالله بن مسلم، وعبد الله بن جعفر بن درستويه الفسوي، وغيرهم.

مؤلفات ابن قتيبة

تعددت مؤلفات ابن قتيبة ومواضيعها، إذ تناولت مجالات الدين والأدب واللغة والتاريخ. من بين أشهر كتبه: مشكل القرآن، وغريب الحديث، والرد على المشبّهة، وإعراب القراءات، وتفسير غريب القرآن، وتأويل مختلف الحديث، والشعر والشعراء، وجامع النحو الكبير، والرد على القائل بخلق القرآن، وكتاب الأنواء، وكتاب المعارف، وعيون الأخبار، وفضل العرب، ودلائل النبوة، وأدب الكاتب، والمسائل والأجوبة، وعيون الشعر، وغيرها الكثير.

وفاة ابن قتيبة

رغم اختلاف الآراء حول تاريخ وفاته، فإن القناعة السائدة تشير إلى أنه توفي عام 276هـ في شهر رجب، ما يوافق عام 899م. يُقال أن سبب وفاته كان تناوله للهريسة التي تسببت في ارتفاع حرارته، مما أدى إلى صراخه بصورة مفاجئة واغمائه. بعد أن استعاد وعيه، ظل مضطرباً لفترة ثم بدأ بالتشهد حتى وصل إلى وقت السحر، ثم انتقل إلى رحمة الله -رحمه الله وجميع أئمة المسلمين-.

Published
Categorized as معلومات عامة