ابن زيدون، أحد أبرز شعراء الأندلس، وُلِد في عام 1003 م وتوفي في عام 1071 م. قصيدته الشهيرة “أضحى التنائي” تُعد واحدة من أروع قصائد الغزل الرومانسي التي خلدت اسمه في الأدب العربي.

ابن زيدون: قصيدة أضحى التنائي

أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون المخزومي الأندلسي، المعروف بأبو الوليد ابن زيدون، كتب العديد من القصائد الخالدة. لنستعرض كلمات رائعة من قصيدته “أضحى التنائي”:

أَضحى التَنائي بَديلاً مِن تَدانينا

وَنابَ عَن طيبِ لُقيانا تَجافينا

أَلّا وَقَد حانَ صُبحُ البَينِ صَبَّحَنا

حَينٌ فَقامَ بِنا لِلحَينِ ناعينا

مَن مُبلِغُ المُلبِسينا بِاِنتِزاحِهِمُ

حُزناً مَعَ الدَهرِ لا يَبلى وَيُبلينا

أَنَّ الزَمانَ الَّذي مازالَ يُضحِكُنا

أُنساً بِقُربِهِمُ قَد عادَ يُبكينا

غيظَ العِدا مِن تَساقينا الهَوى فَدَعَوا

بِأَن نَغَصَّ فَقالَ الدَهرُ آمينا

فَاِنحَلَّ ما كانَ مَعقوداً بِأَنفُسِنا

وَاِنبَتَّ ما كانَ مَوصولاً بِأَيدينا

وَقَد نَكونُ وَما يُخشى تَفَرُّقُنا

فَاليَومَ نَحنُ وَما يُرجى تَلاقينا

يا لَيتَ شِعري وَلَم نُعتِب أَعادِيَكُم

هَل نالَ حَظّاً مِنَ العُتبى أَعادينا

لَم نَعتَقِد بَعدَكُم إِلّا الوَفاءَ لَكُم

رَأياً وَلَم نَتَقَلَّد غَيرَهُ دينا

ما حَقَّنا أَن تُقِرّوا عَينَ ذي حَسَدٍ

بِنا وَلا أَن تَسُرّوا كاشِحاً فينا

كُنّا نَرى اليَأسَ تُسلينا عَوارِضُهُ

وَقَد يَئِسنا فَما لِليَأسِ يُغرينا

بِنتُم وَبِنّا فَما اِبتَلَّت جَوانِحُنا

شَوقاً إِلَيكُم وَلا جَفَّت مَآقينا

نَكادُ حينَ تُناجيكُم ضَمائِرُنا

يَقضي عَلَينا الأَسى لَولا تَأَسّينا

حالَت لِفَقدِكُمُ أَيّامُنا فَغَدَت

سوداً وَكانَت بِكُم بيضاً لَيالينا

إِذ جانِبُ العَيشِ طَلقٌ مِن تَأَلُّفِنا

وَمَربَعُ اللَهوِ صافٍ مِن تَصافينا

وَإِذ هَصَرنا فُنونَ الوَصلِ دانِيَةً

قِطافُها فَجَنَينا مِنهُ ما شينا

لِيُسقَ عَهدُكُمُ عَهدُ السُرورِ فَما

كُنتُم لِأَرواحِنا إِلّا رَياحينا

لا تَحسَبوا نَأيَكُم عَنّا يُغَيِّرُنا

أَن طالَما غَيَّرَ النَأيُ المُحِبّينا

وَاللَهِ ما طَلَبَت أَهواؤُنا بَدَلاً

مِنكُم وَلا اِنصَرَفَت عَنكُم أَمانينا

يا سارِيَ البَرقِ غادِ القَصرَ وَاِسقِ بِهِ

مَن كانَ صِرفَ الهَوى وَالوُدُّ يَسقينا

وَاِسأَل هُنالِكَ هَل عَنّى تَذَكُّرُنا

إِلفاً تَذَكُّرُهُ أَمسى يُعَنّينا

وَيا نَسيمَ الصَبا بَلِّغ تَحِيَّتَنا

مَن لَو عَلى البُعدِ حَيّا كانَ يُحَيّينا

فَهَل أَرى الدَهرَ يَقضينا مُساعَفَةً

مِنهُ وَإِن لَم يَكُن غِبّاً تَقاضينا

رَبيبُ مُلكٍ كَأَنَّ اللَهَ أَنشَأَهُ

مِسكاً وَقَدَّرَ إِنشاءَ الوَرى طينا

أَو صاغَهُ وَرِقاً مَحضاً وَتَوَّجَهُ

مِن ناصِعِ التِبرِ إِبداعاً وَتَحسينا

إِذا تَأَوَّدَ آدَتهُ رَفاهِيَةً

تومُ العُقودِ وَأَدمَتهُ البُرى لينا

كانَت لَهُ الشَمسُ ظِئراً في أَكِلَّتِه

بَل ما تَجَلّى لَها إِلّا أَحايينا

كَأَنَّما أُثبِتَت في صَحنِ وَجنَتِهِ

زُهرُ الكَواكِبِ تَعويذاً وَتَزيينا

ما ضَرَّ أَن لَم نَكُن أَكفاءَهُ شَرَفاً

وَفي المَوَدَّةِ كافٍ مِن تَكافينا

يا رَوضَةً طالَما أَجنَت لَواحِظَنا

وَرداً جَلاهُ الصِبا غَضّاً وَنَسرينا

وَيا حَياةً تَمَلَّينا بِزَهرَتِها

مُنىً ضُروباً وَلَذّاتٍ أَفانينا

وَيا نَعيماً خَطَرنا مِن غَضارَتِهِ

في وَشيِ نُعمى سَحَبنا ذَيلَهُ حينا

لَسنا نُسَمّيكِ إِجلالاً وَتَكرِمَةً

وَقَدرُكِ المُعتَلي عَن ذاكَ يُغنينا

إِذا اِنفَرَدتِ وَما شورِكتِ في صِفَةٍ

فَحَسبُنا الوَصفُ إيضاحاًّ وَتَبيينا

يا جَنَّةَ الخُلدِ أُبدِلنا بِسِدرَتِها

وَالكَوثَرِ العَذبِ زَقّوماً وَغِسلينا

كَأَنَّنا لَم نَبِت وَالوَصلُ ثالِثُنا

وَالسَعدُ قَد غَضَّ مِن أَجفانِ واشينا

إِن كانَ قَد عَزَّ في الدُنيا اللِقاءُ بِكُم

في مَوقِفِ الحَشرِ نَلقاكُم وَتَلقونا

سِرّانِ في خاطِرِ الظَلماءِ يَكتُمُنا

حَتّى يَكادَ لِسانُ الصُبحِ يُفشينا

لا غَروَ في أَن ذَكَرنا الحُزنَ حينَ نَهَت

عَنهُ النُهى وَتَرَكنا الصَبرَ ناسينا

إِنّا قَرَأنا الأَسى يَومَ النَوى سُوَراً

مَكتوبَةً وَأَخَذنا الصَبرَ تَلقينا

أَمّا هَواكِ فَلَم نَعدِل بِمَنهَلِهِ

شُرَباً وَإِن كانَ يُروينا فَيُظمينا

لَم نَجفُ أُفقَ جَمالٍ أَنتِ كَوكَبُهُ

سالينَ عَنهُ وَلَم نَهجُرهُ قالينا

وَلا اِختِياراً تَجَنَّبناهُ عَن كَثَبٍ

لَكِن عَدَتنا عَلى كُرهٍ عَوادينا

Nَأسى عَلَيكِ إِذا حُثَّت مُشَعشَعَةً

فينا الشَمولُ وَغَنّانا مُغَنّينا

لا أَكؤُسُ الراحِ تُبدي مِن شَمائِلِنا

سِيَما اِرتِياحٍ وَلا الأَوتارُ تُلهينا

دومي عَلى العَهدِ ما دُمنا مُحافِظَةً

فَالحُرُّ مَن دانَ إِنصافاً كَما دينا

فَما اِستَعَضنا خَليلاً مِنكِ يَحبِسُنا

وَلا اِستَفَدنا حَبيباً عَنكِ يَثنينا

وَلَو صَبا نَحوَنا مِن عُلوِ مَطلَعِهِ

بَدرُ الدُجى لَم يَكُن حاشاكِ يُصبينا

أَبكي وَفاءً وَإِن لَم تَبذُلي صِلَةً

فَالطَيّفُ يُقنِعُنا وَالذِكرُ يَكفينا

وَفي الجَوابِ مَتاعٌ إِن شَفَعتِ بِهِ

بيضَ الأَيادي الَّتي ما زِلتِ تولينا

عَلَيكِ مِنّا سَلامُ اللَهِ ما بَقِيَت

صَبابَةٌ بِكِ نُخفيها فَتَخفينا

نبذة عن ابن زيدون الأندلسي

تميّز ابن زيدون بمهاراته الشعرية، حيث عُرفت كتاباته بالرصانة والجمال. إليكم بعض المعلومات عن حياته:

• كان أيضًا متميزًا في فنون النثر.
• شغل منصب السفير بين ابن جهور، ملك الطوائف، وملوك الأندلس.
• تعرض للسجن على يد ابن جهور بسبب تضامنه مع المعتمدين عباد.
• كما حاول ابن زيدون استخدام رسائل عدة لاستعطاف ابن جهور، لكنه لم ينجح.
• تحدث عنه الشاعر فالح الحجيه في كتابه “الموجز”، موضحًا أنه أحب الشاعرة ولادة، ابنة الخليفة المستكفي.
• وقد بادلت ولادة ابن زيدون مشاعر الحب، حيث كتب لها قصائد كثيرة تعبر عن شوقه وحبه.

قصة قصيدة أضحى التنائي

تثير قصة قصيدة “أضحى التنائي” فضول محبي الشعر؛ وإليكم تفاصيلها:

• كان هناك وزير يدعى أبو عامر ابن عدوس، الذي كان مطلعًا على علاقة الحب بين ابن زيدون وولادة بنت المستكفي.
• بالإضافة إلى حب أبو عامر لولادة، حيث كان متعكر المزاج بسبب حبها المتبادل مع ابن زيدون.
• قرر أبو عامر ابتكار خطة للتخلص من ابن زيدون، مما أدى إلى سجنه.
• استغل ابن زيدون فرصة هروبه من السجن للوصول إلى الحديقة التي كان يتقابل فيها مع ولادة.
• وهناك، كتب قصيدته الشهيرة “أضحى التنائي”.
• للأسف، تقول بعض الروايات أن ولادة قد انصرفت عن حب ابن زيدون بسبب قصائد الغزل التي كتبها لجارية.

تحليل المقطع الأول من قصيدة ابن زيدون أضحى التنائي

تحمل قصيدة “أضحى التنائي” العديد من المشاعر العميقة والمترابطة. إليكم تحليل المقطع الأول:

• ذاع المقطع الأول بين تضاد المشاعر مثل القرب والبعد، واللقاء والفراق، مما يعكس عمق العلاقة بين ابن زيدون وولادة بنت المستكفي.
• بينما عبر ابن زيدون عن مشاعره الأليمة، احتفظ أيضًا بكرامته وعزة نفسه.
• كما أنه دعا للموت بعد غياب محبوبته نتيجة لمكائد الآخرين.