ابن الفارض، المعروف بأبي حفص شرف الدين عمر بن علي بن مرشد الحموي، هو شاعر صوفي وُلِد في مصر في عام 1182 ميلادياً. نشأ في أسرة تتمتع بالتقوى والعلم، حيث كان والده عالماً ورعاً. كتب ابن الفارض عديد من القصائد، التي لا يزال يتغنى بها الناس حتى اليوم بفضل عذوبة ألفاظها وعمق معانيها.
تركزت قصائد ابن الفارض حول الحب الإلهي، وقد أدى فريضة الحج في مكة المكرمة قبل أن يعود إلى مصر حيث توفي في عام 1235 ميلادياً، ليُدفن بجوار جبل المقطم في مسجده.
خلال فترة تواجده في مكة لأداء فريضة الحج، اختار ابن الفارض الاعتزال في وادٍ بعيد، مما أتاح له فرصة للتأمل والتفكر وكتابة العديد من الأشعار حول الحب الإلهي. وُصف ابن الفارض بجمال الهيئة وحسن المظهر، وكان يتحلى بطبع رقيق وسخاء، مما جعله محط إعجاب الناس وكثرة مدحهم له.
تتضمن أشعار ابن الفارض العديد من القصائد حول الحب الإلهي، وأبرزها:
سَقَتني حُمَيَّا الحُبَّ راحَةَ مُقلَتي
وَكَأسي مُحَيَّا مَن عَنِ الحُسنِ جَلَّتِ
فَأَوهَمتُ صَحبي أنَّ شُربَ شَرابهِم
بهِ سُرَّ سِرِّي في انتِشائي بنَظرَةِ
وبالحَدَقِ استغنَيتُ عن قَدَحي ومِن
شَمائِلِها لا من شَموليَ نَشوَتي
ففي حانِ سُكري حانَ شُكري لِفِتيَةٍ
بِهِم تَمَّ لي كَتمُ الهَوَى مَعَ شُهرَتي
وَلَمَّا انقضى صَحوي تَقاضَيتُ وَصلَها
وَلَم يغشَني في بَسطِها قَبضُ خَشيَةِ
وَأَبثَثَتُها ما بي وَلَم يكُ حاضِري
رَقِيبٌ لها حاظٍ بخَلوَةِ جَلوَتي
وقُلتُ وحالي بالصبَّابَةِ شاهدٌ
وَوَجدي بها ماحِيَّ والفَقدُ مُثبِتي
هَبي قَبلَ يُفني الحُبُّ مِنِّي بَقيَّةً
أَراكِ بِها لي نَظرَةَ المتَلَفِّتِ
ومُنِّي عَلى سَمعي بلَن إن مَنَعتِ أَن
أَراكِ فمِن قَبلي لِغيرِيَ لذَّتِ
أرى البُعْدَ لم يُخْطِرْ سواكم على بالي
وإن قَرّبَ الأخطارَ من جسدي البالي
فيا حبّذا الأسقامُ في جَنبِ طاعتي
أوامِرَ أشواقي وعصيانِ عُذّالي
ويا ما ألذّ الذلّ في عِزّ وَصْلِكُمْ
وإن عَزّ ما أحلى تقَطُّعَ أوصالي
نأيْتُمْ فحالي بَعدكُمْ ظَلّ عاطِلاً
وما هوَ مِمّا ساء بل سَرّكُمْ حالي
بَلَيْتُ بِهِ لمّا بُليتُ صَبابةً
أبَلّتْ فلي منها صُبَابَةُ إبلال
نَصَبْتُ على عيني بتَغْميضِ جَفْنِها
لِزَورَةِ زُورِ الطّيف حيلةَ مُحتال
فما أسعَفَتْ بالغُمضِ لكِن تعَسّفت
عليّ بدَمْعٍ دائمِ الصّوبِ هَطّال
فيا مُهْجَتي ذوبي على فَقْدِ بَهْجَتي
لِتَرْحَالِ آمالي ومَقْدَمِ أوجالي
نَعَمْ بالصَّبا قلبي صبا لأحِبّتِي
فيا حبّذا ذاك الشَّذى حينَ هَبَّتِ
سَرَتْ فأَسرَّتْ للفؤادِ غُدَيَّةً
أحاديثَ جيرانِ العُذيبِ فَسَرَّتِ
مُهَيْمِنَةٌ بالرَّوضِ لَدْنٌ رِداؤُها
بها مرضٌ من شأنِهِ بُرْء عِلَّتي
لها بأُعَيْشَابِ الحِجَازِ تَحَرّشٌ
به لا بخَمْرٍ دونَ صَحبيَ سَكْرَتي
تُذَكِّرُني العَهْدَ القَديمَ لأنَّها
حديثَةُ عَهْدٍ من أُهَيْلِ مَوَدَّتي
أيا زاجراً حُمْر الأَوارِكِ تارِكَ ال
مَوارِكِ من أكوارها كَالأريكَةِ
لَكَ الخيرُ إِن أَوضَحتَ تُوضِحُ مُضحيًا
وجُبْتَ فيافي خَبْتِ آرامِ وَجْرَةِ
أحدث التعليقات