يُعتبر ابن الشجري أحد أبرز العلماء في اللغة العربية والنحو. هو العلامة أبو السعادات هبة الله بن علي بن محمد بن حمزة بن علي الهاشمي العلوي الحسني البغدادي، المنحدر من نسل جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب. عُرف بأنه شيخ وقته في علم النحو حسبما ذكره ابن النجار. قضى ابن الشجري حياته في تدريس الأدب، حيث ترك أثرًا بارزًا على العديد من طلابه، وأعادت نسبته إلى الأسرة الشجرية تكريمًا لوالدته.
وُلِد ابن الشجري في بغداد سنة 450 هجرية. لم تُسجل الوثائق الكثير عن تفاصيل نشأته، ولكن من الواضح أنه عاصر فترات مهمة مثل دخول السلاجقة إلى بغداد في عصر البويهين. نشأ في بيئة دينية محبة للعلم، مما كان له بالغ الأثر على كتاباته وأفكاره فيما بعد.
تميز ابن الشجري بفصاحته وعلمه الغزير، حيث كان ملمًا بعلوم اللغة والنحو بشكل ليس له نظير، حتى اعتبره الكثيرون إمامًا للغة. وصفه ابن خلكان بأنه واحدٌ من بين قلة في عصره، إذ كان عالمًا في تاريخ الشعر العربي ومعارف أهل الجاهلية. وقد قضى أكثر من سبعين عامًا في تدريس النحو، ما يؤكد سعة علمه وإتقانه لمختلف علوم اللغة.
تلقى ابن الشجري تعليمه على يد العديد من الشيوخ البارزين، مثل ابن طباطبا، والصيرفي، والتبريزي. تحدى مجموعة من التلاميذ الذين درسوا تحت إشرافه لأكثر من سبعين عامًا، ومن بينهم الحافظ السمعاني وابن الأنباري وتاج الدين الكندي، الذين جمعهم اعترافهم بفضل ابن الشجري في تعلم اللغة العربية.
ألف ابن الشجري العديد من المصنفات المهمة، ولكن كتاب الأمالي كان له الشهرة الأكبر. يحتوي الكتاب على أربعة وثمانين مجلسًا، وختامه مجلس مخصص لشعر المتنبي. وقد تم تدريسه بطريقة جعلت الطلاب يكتبون ما يُملى عليهم، مما أدى إلى تدوين مجموعة من الدروس تحت عنوان الأمالي.
من أبرز مؤلفاته أيضًا كتاب الحماسة، حيث جمع فيه مجموعة واسعة من القصائد والأبيات الشعرية لشعراء مختلفين من العصور الجاهلية ومراحل الإسلام، وقد قام بتقسيمه إلى تسعة أبواب متنوعة. بالإضافة إلى ذلك، له كتاب “ما اتفق لفظه واختلف معناه”، و”مختارات أشعار العرب”، والذي احتوى عدة أقسام شملت اختيار أشعار الحطيئة. ومن أشهر مؤلفاته بعد الأمالي كتاب “الانتصار”، كذلك كتب الشروح لابن جني مثل “شرح اللمع” و”شرح التصريف الملوكي”.
أبدع ابن الشجري في الشعر، حيث كان له اهتمامات متعددة في الشعر كتابة واختيارًا، وهناك آراء متباينة بين العلماء حول إنتاجه الشعري، إذ نفى بعضهم عنايته بالشعر، بينما أكد آخرون على موهبته في هذا المجال. فقد أشار ابن خلكان إلى جودة شعره وأورد له عدة قصائد منها:
هذِي السديرُة والغَدِير الطَافح
فاحفظ فؤادك إنَّني لك ناصح
يا سدرة الوادي الذي إن ضلَّت
الساري هداه نشره المتفاوح
هل عائد قبل الممات لمغرم
عيش تقضي في ظِلالِك صالح
شَطَّ المزار بِهِ وبوي منزلًا
بصميم قلبك فهو دانٍ نازح
غصن يعطُفه النسيم وفوقه
قمر يحفُّ به ظلام جانح
وإذا العيون تساهمْته لحِاظها
لم يرو منه الناظر المتراوح
لا تَمزحن فإن مزحت فلا يكن
مزحًا تُضاف بِهِ إلى سوءِ الأدب
واحذر ممازحة تعود عداوة
إن المزاح على مقدّمِة الغضب
توفي ابن الشجري في شهر رمضان عام 542 هجرية. ويجمع المؤرخون على توثيق حياته الطويلة، التي امتدت من عام 450 حتى 542 هجرية، حيث قدم خلالها إسهامات علمية متعددة أثرت في مجالات اللغة العربية وآدابها.
أحدث التعليقات