ابن الرزاز الجزري: عالم الرياضيات والهندسة في العصور الوسطى

ابن الرزاز الجزري

ابن الرزاز الجزري، المعروف ببديع الزمان أَبو العز بن إسماعيل بن الرزاز الجزري، يُنسب إلى موطنه “أرض الجزيرة”، وهو موقع يتواجد بين نهري دجلة والفرات في العراق، وتحديدًا بين جزيرة ابن عمر. تجدر الإشارة إلى قلة المعلومات المتوفرة حول تفاصيل حياته، حيث تفتقر كتب التراجم إلى الكثير من المعطيات عنه. يُعتقد أنه وُلد في عام (561هـ-1165م) وتوفي في (607هـ-1210م)، بينما تشير بعض الروايات إلى وفاته في (602هـ-1206م).

تشير الروايات إلى أن الجزري عمل مهندسًا في ديار بكر التركمانية، التي تقع في شمال الجزيرة الفرَاتية، وهي منطقة كانت تابعة للدولة الأيوبية التي أسسها صلاح الدين الأيوبي. وقد تلقى الجزري رعاية حكام ديار بكر من آل الأرتق، ليتولى بذلك منصب كبير مهندسي الميكانيكا في البلاط، وقد أمضى ما يقارب 25 عامًا في خدمتهم.

على الرغم من عدم توفر معلومات كثيرة حول تعليمه، يُعتقد أنه درس الرياضيات، وكافة العلوم الفيزيائية التي ترتبط بالتطبيقات الصناعية. كان الجزري يمزج بين التجريب والدراسة النظرية، حيث لم يكن يؤمن بصحة النظريات الهندسية إلا إذا دعمتها التجارب العلمية. جميع إنجازاته كانت متعلقة باختراعاته الميكانيكية وآلاته، حيث كان يعتمد بشكل كبير على الخبرات التكنولوجية والحقائق العلمية.

أعمال ابن الرزاز الجزري

اشتهر الجزري بمزج العمل بالعلم، وقد قام بتصميم عدد من الآلات المهمة، بما في ذلك:

  • مضخة ذات أسطوانتين متقابلتين، والتي تُعرف أيضًا بمضخات الكبس والامتصاص.
  • نواعير رفع الماء، التي تستفيد من الطاقة المتجددة في الأنهار.
  • مضخة الزنجير والدلاء، وهي نوع من آلات السقوط، حيث تنتج حركة نتيجة لنزول الماء على المغارف، وتتطلب رفع مستوى المياه باستخدام السدود أو مصادر مائية أخرى.
  • آلات ذاتية الحركة.
  • ساعات مائية.
  • آلات هيدروليكية.
  • مجموعة من الساعات المائية التي حصلت على أسماء مميزة بناءً على أشكالها، مثل ساعة القرد وساعة الرامي الفذ وساعة الفيل وساعة الطبال وساعة الكاتب، وتعتبر ساعة الفيل من أهم اختراعاته.
  • مجموعة من الساعات التي تعمل باستخدام فتائل القناديل.

فضل ابن الرزاز الجزري

يُعتبر علم الجزري من الركائز الأساسية التي ساهمت في النهضة العلمية للحضارة العربية الإسلامية، وقد انتقلت هذه العلوم بعد ذلك إلى أوروبا. اعترف العديد من العلماء الغربيين بأن العديد من تصاميم الجزري قد انتقلت إلى أوروبا، وأهمها آلة التروس القطعية التي لم تكن معروفة في أوروبا إلا بعد قرنين من اختراعه لها. كما كان الجزري الأول الذي أشار إلى ذراع الكرنك، وابتكر آلات رفع المياه، مستخدمًا الكرات المعدنية الدالة على الوقت في الساعات المائية، حيث كانت الآلات التي تعمل بالماء قبل عصره تعتمد على قوة دفع الحيوانات، بينما وضع هو الأسس للاستفادة من الطاقة الكامنة في المياه بطرق علمية.

بعض مؤلفات ابن الرزاز الجزري

يُعتبر كتابه “الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل” من أهم مؤلفاته، وهو مُخصص للهندسة الميكانيكية. وقد قام الجزري بتأليفه بتكليف من الملك ناصر الدين محمود بن محمد بن قرا في عام 1181م، وهو أحد سلاطين بني أرتق في ديار بكر، في زمن الخليفة العباسي أبو العباس أحمد الناصر لدين الله. استغرق تأليف هذا الكتاب 25 عامًا، حيث تضمن الكثير من الوسائل الميكانيكية والتصاميم، وصنّف الآلات إلى ست مجموعات حسب طريقة الصناعة والاستخدام، ليصبح هذا التصنيف أساسًا للتصنيفات الأوروبية خلال عصر النهضة.

تتواجد نسخ من الكتاب في العديد من المتاحف العالمية، مثل متحف الباب العالي في إسطنبول، ومتحف اللوفر في فرنسا، ومتحف الفنون الجميلة في بوسطن، بالإضافة إلى مكتبة جامعة أوكسفورد. وقد تم ترجمة الكتاب إلى الألمانية والإنجليزية، بينما نُشر نصه العربي من قبل معهد التراث العلمي العربي في حلب عام 1979م، وحققه أحمد يوسف الحسن.

Published
Categorized as معلومات عامة