توصل يهود بني النضير إلى اتفاق مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للخروج من مدينتهم. وقد اشترط عليهم النبي أن يأخذوا جزءاً من أموالهم وممتلكاتهم، في حين يترك ما تبقى للمسلمين. بعد ذلك، تفرق اليهود، حيث توجه بعضهم إلى خيبر وآخرون إلى الشام، وتعتبر الأراضي التي تركوها من أبرز الغنائم التي حصل عليها المسلمون، حيث قام رسول الله بتقسيمها بين المهاجرين.
وهكذا، حصل المهاجرون على ممتلكات تساعدهم على الاستغناء عن دعم الأنصار. أما من آمن من يهود بني النضير، فقد استمروا في العيش مع المسلمين في المدينة. وكان هذا الإجلاء يعد أول حشر في التاريخ، وقد نزلت فيه سورة الحشر، ولذلك تقول الروايات إن الشام تُعتبر أرض المحشر.
بعد انتصار المسلمين في غزوة بدر، قام الشاعر كعب بن الأشرف، من بني النضير، بإلقاء شعر يحرض فيه قريش ضد المسلمين، ثم ذهب إلى مكة ليقيم العزاء لمن قُتِل من كفار قريش، مما أثار مشاعر المسلمين ودفعهم للانتقام منه. أصدر رسول الله أمراً بقتله. إضافةً لذلك، قام زعيم بني النضير، سلام بن مشكم، بتقديم الملجأ لأبي سفيان وكشف أسرار المسلمين له، مما أساء إلى الوضع الأمني للمسلمين عقب خسائر غزوة أحد التي تعرضوا لها.
من هذا المنطلق، بدأت قبيلة بني النضير بوضع خطط للتخلص من رسول الله، متواطئين مع زعيم المنافقين، عبد الله بن أبيّ. بينما كان النبي يرسل بعض رجاله إلى نجد للدعوة إلى الإسلام، واجههم عامر بن الطفيل، زعيم بني عامر، الذي قتلهم، باستثناء عمرو بن أميّة الضمري، الذي قتل رجلين من بني عامر دون أن يعلم بحوزتهما لكتاب عهد من الرسول مما تطلب الدية. لذا توجه رسول الله إلى بني النضير للمساعدة في دفع الدية، فأبدوا استعدادهم لذلك، ولكنهم تآمروا في خفية لقتل النبي أثناء جلوسه مستنداً إلى الجدار.
لكن النبي علم بمؤامرتهم، فأوهمهم بأنه يعتزم القيام لبعض الأمور وترك أصحابه ورائه، وعاد إلى المدينة. وعندما تأخر عن العودة، أدركوا أنه اكتشف مخططهم، فأرسل لهم أمراً بالخروج من المدينة. ومع ذلك، قام المنافقون بإثناء بني النضير عن الخروج وزعموا أنهم سيحمونهم، مما جعلهم يتمسكون بمواقعهم المنيعة في القلاع والحصون. إذ لو صمت النبي عنهم لكان في ذلك القضاء على الدولة الإسلامية. فتجهز رسول الله هو وأصحابه، وحاصروا بني النضير لمدة عشرين ليلة، مما أدى إلى استنزاف قواهم. وعندما يئسوا من هزيمتهم، استسلموا في العام الرابع من الهجرة.
كانت بنو النضير واحدة من أقوى القبائل اليهودية المقيمة في المدينة المنورة، حيث كان لديهم حصون محصنة يعتقدون أنها ستحميهم من أي اعتداء خارجي. وقد أظهر يهود بني النضير منذ فترة طويلة عداوتهم لرسول الله بعد قدومه للمدينة. استقروا في يثرب، واختاروا الجانب الشرقي منها لخصوبة تربتها ووقوعها على طرق التجارة. كما أن يهود بني النضير كانوا ثاني طائفة تنقض عهدها مع رسول الله، بعد قريظة، إذ كان يقودهم حُيي بن أخطب.
أحدث التعليقات