يعتبر استئصال الغدة الدرقية (بالإنجليزية: Thyroidectomy) عملية جراحية تهدف إلى إزالة جزء أو الكل من الغدة الدرقية، والتي تقع في الجزء الأمامي من الرقبة وتلعب دوراً حيوياً في إنتاج وإفراز الهرمونات الدرقية، المسؤولة عن تنظيم العديد من الوظائف الحيوية في الجسم. يحدد الاختصاصي نوع الجراحة المناسبة وفقاً للحالة الطبية وظروف الغدة الدرقية والمريض. في حال كانت هناك عُقيدات أو أورام سرطانية في جزء من الغدة، يمكن أن أوصي الطبيب بإجراء استئصال جزئي (بالإنجليزية: Hemithyroidectomy). وإذا كانت الأورام صغيرة في البرزخ الذي يربط النصفين، يمكن أن يُجري الطبيب استئصال البرزخ (بالإنجليزية: Isthmusectomy). وفي حالات أكثر خطورة، مثل وجود كُتل سرطانية أو عقيدات نشطة على كلا الجانبين أو الإصابة بداء غريفز (بالإنجليزية: Graves’ disease)، قد يتطلب الأمر استئصال كامل للغدة.
لفهم عملية استئصال الغدة الدرقية، من المهم التعرف على الغدة الدرقية ووظائفها. تتكون الغدة من فصين (بالإنجليزية: Lobes)، يحيطان بالقصبة الهوائية. تندرج الغدة الدرقية تحت فئة الغدد الصماء التي تقوم بإنتاج الهرمونات وإفرازها في مجرى الدم، وهذا يتسبب في تأثيرها على خلايا وأنسجة مختلفة في جميع أنحاء الجسم. تفرز الغدة ثلاثة أنواع من الهرمونات: هرمون الثيروكسين (بالإنجليزية: Thyroxine) المعروف أيضًا بـ T4، وهرمون ثلاثي يودوثيرونين (بالإنجليزية: Triiodothyronine) الذي يُعرف بـ T3، حيث يتحول T4 إلى T3 داخل الجسم ويمثل الشكل الفعال. علاوة على ذلك، تقوم الغدة الدرقية بإنتاج هرمون كالسيتونين (بالإنجليزية: Calcitonin) الذي يساعد في تنظيم مستوى الكالسيوم في الجسم، على الرغم من أن الجسم بإمكانه تنفيذ العمليات الحيوية بدون كميات كبيرة من الكالسيتونين. وعلى النقيض، يحتاج الجسم إلى T3 وT4 للتحكم في معدل الأيض، وعند نقص هذه الهرمونات، يمكن تعويضها من خلال تناول دواء يحتوي على هرمون الدرقية.
تعتبر عمليات استئصال الغدة الدرقية إحدى الخيارات العلاجية الفعالة لأمراض الغدة. تشمل الأسباب الرئيسية التي قد تستدعي إجراء العملية ما يلي:
يقدم الطبيب، قبل العملية، مجموعة من التعليمات المهمة للمريض، تشمل وقت التوقف عن تناول الطعام والشراب، بالإضافة إلى الأدوية التي يجب تناولها قبل يوم من الجراحة. كما يُفضل إجراء بعض الفحوصات المخبرية، مثل فحص الدم، لتحديد مستوى هرمون الدرقية، وأيضا بعض الفحوصات التصويرية كتصوير الغدة بالموجات فوق الصوتية (بالإنجليزية: Ultrasound) أو التصوير المقطعي (بالإنجليزية: Computed tomography scan) أو التصوير بالرنين المغناطيسي (بالإنجليزية: Magnetic Resonance Imaging). قد يُوصى أيضاً بإجراء اختبارات إضافية للاطمئنان على الحالة الصحية العامة للمريض، وأحياناً يحتاج المريض لأدوية معينة قبل الدخول لغرفة العمليات، مثل الأدوية المضادة للتقيؤ والمضادات الحيوية في حال كان لديه ضعف في الجهاز المناعي. كما يجب على مرضى مميعات الدم استشارة الطبيب حول الوقت المناسب لإيقافها قبل العملية لتقليل مخاطر النزيف.
بعد تجهيز المريض لإجراء العملية من قبل أخصائي التخدير، يقوم طاقم العمل بتثبيت أجهزة مراقبة على جسم المريض لمتابعة ضغط الدم ومعدل ضربات القلب ومستويات الأكسجين أثناء العملية. يبدأ الجراح بعمل شق في منتصف الرقبة، ويقوم بإزالة الغدة أو أجزاء منها وفقاً للاحتياجات الطبية. إذا كانت الأورام السرطانية موجودة، فقد يتم فحص الغدد الليمفاوية المحيطة وإزالتها إذا استلزم الأمر. وعادةً ما تستغرق عملية استئصال الغدة الدرقية من ساعة إلى ساعتين، يمكن أن تختلف حسب الحالة.
تُنفذ عملية استئصال الغدة الدرقية بطريقتين أساسيتين:
إذا تم وضع قسطرة لتصريف السوائل من الرقبة أثناء العملية، فإنه يتم إزالتها عادةً في صباح اليوم التالي. تجدر الإشارة إلى أن جراحة استئصال الغدة الدرقية آمنة نسبياً وتتسم بالتحمل الجيد. في معظم الأحيان، يتمكن المريض من العودة إلى منزله في اليوم التالي. ومع ذلك، قد يحتاج بعض المرضى إلى فترة أطول في المستشفى حسب حالتهم الصحية وسرعة تعافيهم. ينبغي أن يتمكن المريض من بلع السوائل وأقراص الدواء قبل مغادرته المستشفى. عموماً، يحتاج المريض من أسبوع إلى أسبوعين لاستعادة صحته ونشاطه. يجب أيضاً الحفاظ على جفاف الجرح لمدة 48 ساعة بعد الجراحة. يمكن للمريض بعد هذه المدة الاستحمام، ولكن يجب الحذر من نقع الجسم في الماء لفترة طويلة لتفادي تلف الضمادات.
عند التئام الجرح، يُفضل تدليك المنطقة باستخدام كريمات مرطبة تحتوي على فيتامين هـ (بالإ الإنجليزية: Vitamin E). يجب على المرضى أن يكونوا على دراية بطبيعة غرز الجراحة، والتي عادةً ما تكون قابلة للذوبان ولا تحتاج لإزالة.
بالنسبة للندبة الناتجة عن الشق، قد تظهر بشكل خطوط غليظة محمرة في الشهور الأولى، إلا أنها تزداد تلاشيًا حتى تصبح خطًا رفيعًا أبيض في النهاية، وتحتاج هذه العملية عادةً من 6 إلى 12 شهراً للوصول للشكل النهائي للندبة.
تتوقف الآثار الطويلة الأمد لاستئصال الغدة الدرقية على كمية الجزء المزال. إذا تم استئصال جزء فقط، فإن الغدة المتبقية عادةً ما تكون قادرة على العمل بشكل مناسب، مما قد لا يستدعي تناول أدوية الهرمونات. ومع ذلك، في حالة استئصال كامل للغدة، سيحتاج المريض إلى هرموني درقية مصنع مدى الحياة. من المهم استيعاب الحاجة للجرعات المناسبة عن طريق فحوصات الدم التي تتبع مستوى هرمون TSH (الهرمون المحفز للغدة الدرقية) بناءً على تعليمات الطبيب. قد تبدأ المريض بدواء مبدئي لحين التحقق من الكمية المناسبة له، وقد يتم تعديل الجرعة خلال فترة الحمل وفي حالات أخرى تغير.
استئصال الغدة الدرقية يعتبر عملية آمنة، خاصة إذا تم إجراؤها من قبل أطباء ذوي خبرة. إن احتمالية حدوث أي مضاعفات نادرة جداً، ولا تتجاوز 2% من الحالات، وتتضمن النزيف، حدوث عدوى، أو قصور في وظائف جارات الدرقية (بالإنجليزية: Hypoparathyroidism) مما قد يؤدي لانخفاض مستويات الكالسيوم. من الممكن أن يظهر تغيير مؤقت في الصوت والذي يستغرق عادةً أسابيع للشفاء، وقد يستمر حتى 6 أشهر في بعض الحالات. بالإضافة إلى ذلك، قد يشعر المريض ببعض آثار جانبية مؤقتة كالشعور بتصلب وألم في الرقبة والغثيان وصعوبة البلع.
لمزيد من المعلومات حول المضاعفات المحتملة، يمكنك قراءة المقال التالي: (مضاعفات إزالة الغدة الدرقية).
يحرص الطاقم الطبي على توفير الرعاية اللازمة للمرضى الذين خضعوا لعمليات استئصال الغدة الدرقية، كما يقوم بإجراء فحوصات للتحقق من سلامتهم. قبل مغادرة المستشفى، يتم تحديد موعد للمتابعة من أجل الاطمئنان على شفاء الجرح وإجراء الفحوصات المختلفة. ينبغي على المريض أيضاً مراجعة الطبيب في الحالات التالية:
إليك بعض النصائح التي قد تساعد في تسريع عملية التعافي بعد جراحة استئصال الغدة الدرقية:
الهوامش
(*) قصور جارات الدرقية: يتمثل في حدوث نقص في مستويات الهرمونات التي تعزز التوازن بين الكالسيوم والفسفور في الدم.
أحدث التعليقات