لقد اتبعت سنن الله تعالى في خلق الكون نهج التدرّج، حيث يُعتبر هذا التدرّج أحد أبرز خصائص الربوبية. على الرغم من قدرة الله التامة في خلق ما يشاء بكلمة واحدة، إلا أن الحكمة من هذا الأسلوب هي تعليم العباد أهمية التدرّج في جميع أمور حياتهم. وبهذا، يتأسس العمل على قواعد صلبة، مما يجعله متينًا ومتينًا. ومن المهم أن نلاحظ أن خلق السماوات والأرض وإعداد الأرض لتكون موطنًا للحياة تم عبر عدة مراحل، ففي المرحلة الأولى، خُلقت الأرض في يومين. أما المرحلة الثانية، فقد تمثلت في تجهيز الأرض للحياة البشرية بخلق الجبال والأنهار وتوزيع الموارد. وفي المرحلة الثالثة، تم خلق السماوات. بدأ الله تعالى بخلق الأرض أولاً، لأنها تشكل الأساس ومحور الكون، وبعد انتهاء خلق الأرض والجبال والأنهار، تم خلق الإنسان.
منح الله تعالى الإنسان نعمة العقل ليتأمل ويفكر، ويميز بين ما ينفعه وما يضره. يعتبر التفكّر من سمات المؤمنين، ومن خلاله يمكن للعبد تحقيق العلم الحقيقي بعظمة الله تعالى، مما يؤدي به إلى التواضع والخوف أمام خالقه. حيث إن جميع الآيات في الكون تدل على وحدانية الإله.
قد سخّر الله تعالى كل ما في الكون لخدمة الإنسان، مما يجعل الكون ليس عدواً له، بل هي علاقة تكامل تنعكس في الاستكشاف المعرفي والاستفادة المادية من جوانب متعددة. يُعتبر الكون مصدرًا من مصادر المعرفة والإيمان. وقد كانت عبادة التفكّر واحدة من العبادات التي مارسها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غار حراء خلال شبابه، واستمر في ممارستها حتى وافته المنية. تتجلى أهمية التفكّر في الكون في العديد من الفوائد، ومنها تعزيز الحكمة، إحياء القلوب، تعزيز الخوف والخشية من الله تعالى، وربط عظمة الله بخلقه، والاعتراف بوحدانيته، والتواضع والإذعان لعظمته، فضلاً عن محاسبة النفس على الأخطاء والزلّات.
أحدث التعليقات