الابتهال هو شكل من أشكال التضرع إلى الله -تعالى-، حيث يُناجي العبد ربه بالدعاء مستشعرًا الخشوع والسكينة في القلب. ويعدّ هذا النوع من الدعاء وسيلة للتواصل الروحي مع الله، حيث يعبّر العبد عن أمله في استجابة دعائه وخشيته من عدم قبولها. وغالبًا ما تتضمن الابتهالات أصواتًا مؤثرة، وقد ترافقها مشاعر من البكاء والخشوع، حيث تُستبعد الألحان والموسيقى. فيما يلي، نستعرض بعض الأمثلة المكتوبة على الابتهالات:
في كتابه “تحفة الواعظ ونزهة الملاحظ” تناول ابن الجوزي -رحمه الله- عددًا من الابتهالات المعبرة، ومنها:
إلهي:
أنت الذي أفضت فعمَّ إفضالك.
أنعمتَ فكتبتَ جزاءَ نوالك.
غطيتَ الذنوب فتمّ إحسانك.
وغفرتَ العيوب فتواصلَ غفرانك.
إلهي:
لك الحمد على عقلٍ قد هديته.
ولك الحمد على فهمٍ قد أنعمته.
ولك الحمد على توفيقٍ قد أكرمته.
ولك الحمد مِن حائرٍ قد هديته.
عظمتَ وتجلَّيتَ.
واتسع نوالك بشكلٍ متميز.
ورزقُك ينساب ببركة وبهاء.
تعاليتَ في قربك وتقرّبتَ في علّوك.
فلا تُدركك الأوهام، ولا يشملك الفهم.
تنزّهتَ في وحدتك عن البداية.
وعظمتَ في إلهيَّتك عن النهاية.
أنت الواحد الذي لا عدد له، الباقي بعد الأبد.
لك يسجد كل من ركع، ولأجلك ينحني كل من سجد.
وبك اهتدى من طلب، وبلغ المقصد من وجد.
لم تُولد ولم تلد، ولا يساويك أحد.
كيف يدركك علمٌ أنت خالقُه؟
وكيف يُحصيَكَ بصرٌ أنت شكّلته؟
كيف يقترب منك فكرٌ أنت ولّيته؟
أم كيف يشكرك لسانٌ أنت نطقتَه؟
إذا تأمّلت عظمة سلطانك ترجع الأبصار خاشعة.
وإذا اجتمعت ذنوب الخلق كانت في غفرانك هينة.
سَبَقْتَ السَّبْقَ فأنت الأول.
وإذا أنت خَلَقْتَ، فالكلّ معتمدٌ عليك.
وعند تفضلك، تَجود بأفضل ما لدى الخيّرين.
عجيبٌ أنه كيف تسكن القلوب بين يديك؟
وأرواحٌ كيف استقرّت والنظرات في المصنوعين تعود إليك؟
كيف تشكر الألسن من يقدر على شيءٍ بغيرك؟
وكيف تكتفي النفوس من الشراب بجودك؟
وكيف تسعى الأقدام إلى غير محابك ومرضاك؟
وكيف تُجمع الأموال التي استعرتها وأنت من أكرمتها؟
كيف يناجيك المصلون من يعصيك في الخلوات؟
وكيف يطلب العبد النجاة ولا ينساك عند الشهوات؟
كيف تبتسم الألسن في الليل وقد قلت: (هل من سائلٍ)؟
وكيف تسير الأيدي في فضلك وأنت المُحسن المتفضل؟
وكيف تنسى النداءات ممن لم يقطعوا رسائلك؟
وكيف تُباع ما يبقى بما يفنى وما هي إلا أيام قليلة؟
يا روح القلوب، أين محبّوك؟
يا نور السماوات والأرض، أين أصدقاؤك؟
يا رب الأرباب، أين عبادك؟
يا مُسبّب الأسباب، أين وفودك؟
من الذي عاملك بلبه ولم يُربح؟
ومَن جاءك بكرابته ولم يُفرح؟
أيُّ صدرٍ أقبل عن بابك ولم ينشرح؟
ومَن استجار بجنابك وقد رغب في الرحيل؟
واهٌ لقلوبٍ ضعفت نحو غيرك، ماذا أرادت؟
ولنفوس تسعى وراء الراحة، لماذا لم تطلب منك وتعبر عن حاجاتها؟
وهمم كانت تسعى نحو مرادك، ما الذي أعادها للطريق؟
هل نقصت أموال اقترضتها؟ لا، بل زادت.
سبقت اختياراتك فابطلت الحيل.
وجرت أقدارك فما ينفع العمل.
وأنت المُحبّ لهم قبل أن يخلقهم في الأزل.
وغضبت على أقوامٍ فلم تنفع طاعتهم.
لا حَوْلَ عن عصيانك إلا بإرادتك.
ولا قوة على طاعتك إلا بمعونتك.
ولا ملجأ منك إلا إليك.
ولا خير يُرجى إلا بيديك.
يا من بيده وحكمته قلوب العباد، أصلح قلوبنا.
ويا من قَلَّت في حلمه الذنوب، اغفر ذنوبنا.
ويا مُصلح الأسرار، صَفِّ أسرارنا.
ويا مُربح الأخيار، عف عن كدرنا.
قد أتيناك طامعين، فلا تردنا خائبين.
جئناك تائبين، اجعلنا برضاك آيبين.
وها نحن عند بابك نسألك، فلا تجعلنا إلى غيرك مائلين.
واصنع مع كل قلب قد قسَا ما يليني.
واسلك بنا طريق المتقين.
وألبسنا حلة الإيمان واليقين.
احمنا بدرع الصدق، فإنها يقين.
ولا تجعلنا ممن يُعاهِدُ على التوبة ثم يمين.
وانقلنا برحمتك من أهل الشمال إلى اليمين.
برحمتك يا أرحم الراحمين.
فيما يلي ابتهال “يا رب ما لي سواك” مكتوباً:
يا رَبِّ مَا لِي سِوَاكَ
مِنْ مَلْجَأٍ، فِي حِمَاكَ
قَدْ أَرْهَقَتْنِي ذُنُوبِي
وَأَوْرَدَتْنِي الْهَلاكَ
فَأَثْقَلَتْنِي هُمُومِي
فَلَمْ أَجِدْ لِي فِكَاكَ
حَتَّى هَوَيْتُ بِجُبٍّ
وَصِرتُ أَرْجُو سَنَاكَ
فَصِرْتُ حَيًّا كَمَيْتٍ
يَرْجُو لِقَلْبٍ حَرَاكَ
تَضَرُّعِي وَابْتِهَالِي
بِدَمْعِ عَاصٍ جَفَاكَ
وَصِرْتُ أَدْعُو وَأَرْجُو
مُؤَمِّلاً رُحْمَاكَ
فَارْحَمْ ضَعِيفًا مُقِرًّا
بِذَنْبِهِ قَدْ أَتَاكَ
تَبَتُّلِي وَصَلاتِي
أَدْعُو وَأَرْجُو رِضَاكَ
فَاغْفِرْ ذُنُوبِي وَهَبْنِي
فِي كُلِّ أَمْرِي هُدَاكَ
وَكُنْ مُعِينِي لأَغْدُو
عَبْدًا كَأَنِّي أَرَاكَ
لَعَلَّ وَجْهَكَ أَلْقَى
فَالْفَوْزُ نَيْلُ رُؤَاكَ
فَيَا لَسُعْدَى وَبُشْرَى
عَبْدٍ أَحَبَّ لِقَاكَ
يَا رَبِّ وَعْدَكَ أَرْجُو
دَاعٍ، أَجِبْ مَنْ دَعَاكَ
أحدث التعليقات