أشار الله -تعالى- في القرآن الكريم إلى مجموعة من الفتية الذين تركوا دين قومهم وآمنوا بالله وحده دون شريك، وكان ذلك في زمن ملك يُدعى دقيوس أو دقيانوس. وكانوا يعيشون في الأراضي الرومانية. وقد اختلفت الروايات حول الفترة الزمنية التي عاشوا فيها؛ إذ ذُكِرَ أن بعض الروايات تقول إنهم عاشوا قبل المسيح عليه السلام، وهو الذي نقل قصتهم إلى قومه. بينما ذُكِرَ في روايات أخرى أنهم ظهروا بعد المسيح عليه السلام، وقد أسلموا وآمنوا على يد أحد الحواريين. وقد روى عنهم أنهم اتبعوا شريعة الله -تعالى-، لكن الملك أراد أن يفتنهم عن دينهم ويعيدهم لعبادة الأصنام، مما اضطرهم للفرار إلى كهف ليحموا دينهم، فأغلق الله عليهم الكهف، ولذلك أطلق عليهم لقب أصحاب الكهف.
وقد تناول الله -تعالى- قصة هؤلاء الفتية بشكل مفصل في سورة أُطلق عليها اسم “سورة الكهف”. قال الله تعالى: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا). والرّقيم يُشير إلى ما كُتب عن هؤلاء الفتية في لوحٍ مُخزّن في باب الكهف، حيث وُجد ذكر لأسمائهم والزمن الذي عاشوا فيه وأسباب لجوئهم إلى الكهف. ووفقًا لما ذكره ابن عباس رضي الله عنه، فقد كانوا سبعة، مع كلبهم الذي كان الثامن، بينما أشار ابن إسحاق إلى أنهم كانوا ثمانية، مع كون كلبهم هو التاسع.
رغم التأكيد على قصة أصحاب الكهف في القرآن، إلا أنه لم يتم الوصول إلى مكان مؤكد لحدوث تلك الأحداث أو موقع الكهف الذي أقاموا فيه. تشير بعض الروايات إلى أن الكهف كان في المدينة التي يحكمها الروم، والتي تُعرف باسم أفسوس، والتي يُعتقد أنها تعرف حاليًا باسم طرسوس. وهناك من يقول بأن الكهف هو صخرة بيت المقدس، بينما تشير بعض الأقوال إلى أنه قريب من أنطاكيا. ويعتقد البعض الآخر أن الكهف قد يكون موجودًا في إحدى المدن التونسية نظرًا لوجود كهوف عديدة كانت مأوى لليهود في زمن الرومان. ومع تعدد الآراء واختلافها، يظل المكان الحقيقي الذي عاش فيه أصحاب الكهف لغزًا غير محلول.
بدأت قصة الفتية بعد إيمانهم بربهم في وسط المشركين، حيث بدأوا يدعون من حولهم إلى توحيد الله سبحانه، لكنهم قوبلوا برفض واستهزاء شديد. تعرضوا للإيذاء والتعذيب بسبب دينهم، فأوحى الله -تعالى- إليهم بالدخول إلى كهف قد مروا به، ليحصنوا أنفسهم من فتنة قومهم. وقد قال الله تعالى: (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا*فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا). وعند دخولهم الكهف، لجأوا إلى ربهم بالدعاء ليؤيدهم وينصرهم، وضرب الله -تعالى- على آذانهم حتى ناموا لسنوات طويلة، إذ ذكر القرآن أنهم لبثوا ثلاثمئةٍ وتسع سنين حفظاً لقلوبهم من الانحراف والتعذيب.
يبرز الله -تعالى- في سورة الكهف جانباً من المعجزات التي رافقتهم طوال تلك السنين. فالنوم الطويل الذي غشّيهم هو معجزة بحد ذاته، وكذلك الظروف التي اختارها الله -تعالى- لهم كانت من رحمة الله. قال الله تعالى: (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ). فقد حفظ الله -تعالى- أجسادهم من أشعة الشمس، مما كون لهم ظلاً طبيعياً ولم يعرضهم لأي مرض.
بعد استيقاظ الفتية من نومهم، بدأوا يتساءلون عن مدة مكوثهم، فظنوا أنهم قضوا يوماً أو جزءاً منه. قال أحدهم: (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُم)، ثم اقترح أن يُرسلوا أحدهم ليشتري لهم طعاماً. قال الله تعالى: (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا). انطلق أحدهم بحذر، لكنه تفاجأ بالتغيرات الهائلة التي حدثت في المجتمع، مما أدى إلى الانتباه إليه، حتى أدركوا جميعاً حقيقة ما حدث.
تتضمن قصة أصحاب الكهف العديد من الدروس المستفادة، ومن أبرزها:
أحدث التعليقات