عقب اكتشاف ظاهرة دوران الأرض وما ينتج عنها من تعاقب الليل والنهار، قام الإنسان برسم خطوط وهمية تشكل شبكة تغطي سطح الأرض، تُعرف بالشبكة الفلكية. تتضمن هذه الشبكة خطوط الطول ودوائر العرض, حيث تتكون دوائر العرض من 180 دائرة تتمحور حول الكرة الأرضية، بينما تحتوي خطوط الطول على 360 خط. وتتقاطع دوائر العرض مع خطوط الطول بزاوية قائمة، ويكون كل من درجة العرض ودرجة الطول متساويان عند خط الاستواء. تشير دوائر العرض إلى الاتجاهين الشرقي والغربي، وتعتبر جميعها دوائر صغيرة باستثناء خط الاستواء. ومن أبرز دوائر العرض نجد خط الاستواء، ومدار السرطان، ومدار الجدي، بالإضافة للدائرتين القطبيتين الشمالية والجنوبية. أما خطوط الطول، التي تربط بين القطبين الشمالي والجنوبي، تُعرف أيضًا بالمريديان، فهي متساوية في الطول وعمودية على دوائر العرض. وفي هذا المقال، سنركز على خط غرينتش الذي يمثل خط الطول الرئيسي على مستوى العالم.
عندما تم تحديد خطوط الطول من قبل الفلكيين، نشأ اختلاف في كيفية ترقيمها ونقطة الانطلاق لهذا الترقيم. واستمر هذا الجدل حتى عام 1884م، حين اجتمع 41 مندوبًا من 25 دولة في مؤتمر خطوط الطول العالمي الذي عُقد في واشنطن. في نهاية المؤتمر، تم الاتفاق على أن يبدأ الترقيم من الخط الذي يمر عبر غرينتش، لتكون قيمة خط غرينتش صفرًا. وصوتت 22 دولة لصالح غرينتش، في حين امتنعت دولة واحدة عن التصويت، بينما لم تصوت كل من فرنسا والبرازيل.
يقع خط غرينتش في المملكة المتحدة، حيث يمر عبر ضاحية غرينتش القريبة من لندن. يختلف التوقيت في المناطق الواقعة غرب هذا الخط بالمقارنة مع تلك الواقعة شرقه. لم يتم اختيار غرينتش بشكل عشوائي، بل كان له دلالة مهمة؛ إذ تم بناء برج عالٍ يحتوي على ساعة، قام الملك تشارلز الثاني بتخصيصه كمُرصد فلكي عام 1675م بهدف تحسين الملاحة، ومراقبة النجوم، وتحديد الوقت، وأطلق عليه اسم المرصد الملكي في غرينتش. ودلاليًا على دور المرصد في تقديم المعلومات الفلكية، تم اختياره كنقطة أساسية لتحديد خط الطول الرئيسي. وعلاوة على ذلك، فإن أهميته تشمل ليس فقط تحديد خطوط الطول بل أيضاً تمثل بداية استخدام التوقيت العالمي المتبع حاليًا، كما ساهم اعتماد غرينتش كمعيار زمني في تسهيل عملية تحديد مواقع الملاحين في البحار.
مع تزايد الحاجة إلى معيار زمني دولي نتيجة للتوسع الهائل في شبكات السكك الحديدية والاتصالات، بدأت الشركات البريطانية للسكك الحديدية في اعتماد توقيت موحد، مما ساعدها على تنظيم جداولها الزمنية. وبالتالي، تم استخدام توقيت غرينتش لهذا الغرض، ومع مرور الوقت تم اعتماد هذا التوقيت في جميع أنحاء بريطانيا الكبرى. وبحلول عام 1850م، تم ضبط جميع الساعات العامة في بريطانيا وفق توقيت غرينتش. وهناك سببين رئيسيين لجعل توقيت غرينتش معيارًا عالميًا؛ الأول هو اختيار الولايات المتحدة الأمريكية له كأساس لنظام الوقت الخاص بها، والثاني هو اعتماد 72% من التجارة العالمية على الرسوم البحرية التي اعتمدت غرينتش كخط الطول المرجعي.
تم تقسيم المناطق الزمنية في العالم لأسباب سياسية، حيث عدد المناطق الزمنية بلغ أربعين منطقة. وعلى الرغم من اتفاق الدول على توقيت غرينتش، إلا أن الالتزام به كان اختياريًا. بعض الدول، مثل إيران وأفغانستان، لم تتبع هذا التوقيت لأسباب جغرافية، حيث يقع كلاهما بين منطقتين زمنيتين؛ ومن ثم تم إيجاد حل يتضمن إضافة ثلاثين دقيقة بين الزمنين. بعض الدول الأخرى أيضاً لم تعتمد توقيت غرينتش لأسباب تتعلق بهويتها الوطنية. على سبيل المثال، الصين مقسمة إلى خمس مناطق زمنية، ولكن الحكومة الصينية احتفظت بتوقيت بكين كمعيار موحد على مستوى البلاد، وهو قرار اتخذ عام 1949م لتعزيز الوحدة الوطنية في وقت حكم الحزب الشيوعي. أما روسيا، فقد قامت بتغيير توقيتها لأسباب سياسية عدة مرات، ونتيجة لذلك، أصبحت مقسمة إلى إحدى عشرة منطقة زمنية. وفي فنزويلا، قام الرئيس هوغو شافيز بتغيير التوقيت في عام 2007م لأسباب سياسية تتعلق بتحسين الإنتاج في البلاد.
تتميز الدول الخمس عشرة الأولى من خط غرينتش بوجود ساعة واحدة تختلف عن توقيت غرينتش. أما الساعة الثانية فتقع بين الخمس عشرة درجة والثلاثين درجة، وهكذا دواليك. فيما يلي توقيت بعض الدول بالنسبة لتوقيت غرينتش:
أحدث التعليقات