مصطلح “الثورة الصناعية” يعكس التحولات التي شهدتها حياة الناس في الغرب خلال الفترة بين القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، حيث بدأت هذه التغييرات في بريطانيا ثم انتشرت إلى أجزاء أخرى من أوروبا وأمريكا الشمالية. بحلول القرن التاسع عشر، أصبحت العديد من المناطق في أوروبا الغربية وشمال شرق الولايات المتحدة الأمريكية تشهد هذا التحول. وقد اتسمت هذه الثورة بزيادة الاعتماد على الآلات المحركة بدلاً من العمل اليدوي، مما ساهم في زيادة الإنتاج بشكل ملحوظ. وعليه، تم استبدال الورش الصغيرة وعمليات التصنيع المنزلية بالمصانع التي عملت على دمج الآلات والعمال في إطار واحد.
يعتبر النظام المصرفي الذي يوفر الأموال من العوامل الرئيسية التي أثرت على تطور الثورة الصناعية، إلى جانب الممولين والمستثمرين. لذا، قاد رجال الأعمال الأغنياء هذه الثورة، وقد اعتبر المؤرخون أن الثورة الصناعية أدت إلى تحول اجتماعي كبير، حيث انتقلت المجتمعات من الطابع الريفي إلى الصناعي المدني، مما أدى إلى تحسين مستوى المعيشة بسبب زيادة إنتاج البضائع. ومع ذلك، كان لهذه الثورة أيضاً آثار سلبية، مثل زيادة الازدحام وعدم الصحة في المناطق المجاورة للمصانع، فضلاً عن تلوث الهواء والماء الناتج عن مخلفات المصانع.
كان لاكتشاف الآلة البخارية أثر بالغ في ظهور الثورة الصناعية، التي بدأت في ستينيات القرن الثامن عشر في بريطانيا. وقد أدت هذه الآلة إلى ازدهار الصناعتين الرئيسيتين في ذلك الوقت، وهما صناعة النسيج وصناعة الصلب. ويُعتبر هذا التحول بمثابة نتيجة للتطور العلمي الذي حدث في عصر النهضة الأوروبية، الذي سبق الثورة الصناعية بمئتي عام. ومن الأسباب التي أدت إلى اندلاعها هو تطور الصناعات اليدوية التقليدية وزيادة الطلب العالمي المدعوم بالانتعاش التجاري، مما جعل الصناعات اليدوية غير قادرة على تلبية احتياجات السوق.
استمرت الثورة الصناعية في بريطانيا بين عامي 1770 و1830، مما أدى إلى ازدهار عدة صناعات مثل صناعة النسيج وصناعة الصلب واستخراج الفحم الحجري. كما شهدت بريطانيا تطورًا في وسائل النقل من خلال بناء الجسور الحديثة، مما أدى إلى تغيير نمط حياة السكان من الريف إلى المدينة، وأصبح لها دور قيادي في قوائم الدول التي تتصدر القوى الاقتصادية والعسكرية حتى منتصف القرن العشرين.
بدأت الثورة الصناعية في بريطانيا، حيث كانت تتمتع بمخزون كبير من الفحم الحجري والحديد، إضافة إلى قدرتها على الحصول على المواد الخام الأخرى اللازمة للتصنيع من مستعمراتها. ومع زيادة الطلب على هذه السلع في أواخر القرن الثامن عشر وارتفاع التنافس، واجهت بريطانيا قيودًا في عدد العمال والموارد. ومن ثم، بدأت تبحث عن طرق بديلة لتلبية هذا الطلب بدلاً من رفع الأسعار، ونجحت في تطوير المصانع وزيادة الإنتاجية.
على الرغم من محاولات بريطانيا لاحتكار تقنياتها وعمالتها، إلا أن الثورة الصناعية انتشرت بشكل متصاعد نتيجة ترك عمال المهارات العالية والاستثمارات لأراضي جديدة كفرنسا والولايات المتحدة الأميركية. في بلجيكا، أصبحت ثاني دولة تقتحم مجال التصنيع مع تطور صناعاتها الثقيلة بدعم حكومي بين عامي 1830 و1870، وتوسعت صناعة النسيج بشكل كبير في مدن مثل غنت ولييج.
في فرنسا، تأثرت الثورة الصناعية سلباً بفعل الثورة الفرنسية والحروب، مما أدّى إلى تراجع التصنيع. بالمقابل، تضاعف إنتاج الفحم الحجري في ألمانيا بين 1830 و1850، حيث ارتفع إنتاج الحديد في منتصف القرن التاسع عشر، ليحتل القطاع مكانة مرموقة في إنتاج الفولاذ بحلول عام 1900، وازدادت صادرات الحديد إلى بريطانيا، بالإضافة إلى تطوير صناعات النسيج والمعادن الخفيفة.
تتميز الثورة الصناعية بمجموعة من المميزات التي تؤثر على جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية، ومنها:
شملت الثورة الصناعية عدة مجالات، ومنها تطور صناعة النسيج التي كانت تتم داخل المنازل قبل ظهور الآلات. بعد الثورة الصناعية، اخترع الإنجليزي جيمس هارجريفز آلة الغزل، التي كانت قادرة على إنتاج العديد من بكرات الخيوط في آن واحد. كما قام البريطاني سامويل كرومبتون بتحسين جديلة الغزل، واختراع إدموند كارترايت لنول النسيج في الثمانينيات من القرن الثامن عشر.
ساهمت الثورة الصناعية أيضًا في تطوير صناعة الحديد، حيث ابتكر الإنجليزي أبراهام داربي فرنًا يعمل بالوقود لإنتاج الحديد بطريقة أقل تكلفة، وطوّر المهندس هنري بسمر عملية غير مكلفة لإنتاج الصلب على نطاق واسع، مما جعل الحديد والصلب وسائل أساسية في تصنيع العديد من الأدوات والأجهزة والبنية التحتية.
أحدث التعليقات