توالت العديد من المصادر التاريخيّة والدينيّة بالإشارة إلى مدينة إرم ذات العماد، حيث تختلف الروايات حول طبيعة هذه المدينة. فبعضها يشير إلى كونها مدينة مفقودة، في حين يعتبرها آخرون مدينة خياليّة. كما يُرجح بعض الباحثين أنها قد تكون الإسكندرية القديمة، بينما يُرجح البعض الآخر أنها قد تكون دمشق القديمة. وتُشير بعض المراجع إلى احتمال كونها مدينة رام الله الفلسطينية، بينما تُنسبها مراجع أخرى إلى مدينة أوبار الموجودة في سلطنة عمان. ولكن معظم الأبحاث تُرجّح أنها تقع في اليمن، وبالتحديد بين مدينتي حضرموت والعاصمة صنعاء، في منطقة تعرف بالأحقاف ضمن صحراء الربع الخالي. وقد أسسها شداد بن عاد، قائد قوم عاد المعروفون بطول القامة والشدة في أساليبهم.
توجد العديد من الروايات التاريخية التي تشير إلى أن شداد بن عاد كان شخصيةً ضارية ومعروفًا بكثرة غزواته ضد الممالك المجاورة. وكان يعبد الأصنام مع قومه، على الرغم من اطلاعه على نصوص تاريخية تصف الجنة. فأراد أن يبني جنته الخاصة كنوع من التحدي للخالق – سبحانه وتعالى -، فبدأ في إنشاء مدينة تشبه الجنة. وكلف حوالي عشرة آلاف رجل لهذه المهمة، وهم رجال يتمتعون بقوة هائلة وطول قامة بارز. بدأت عملية بناء المدينة في منطقة اعتُبرت في ذلك الوقت من أفضل أراضي العالم، حيث الطبيعة وهواء المنطقة يعدان من الأفضل. قام شداد بجمع الثروات من الذهب والفضة والمسك والياقوت، بالإضافة إلى جواهر وبحار اللآلئ، وبدأ في تشييد المدينة بتغليفها بالذهب، وأحاطها بأسوار من المرجان والياقوت واللآلئ. يلاحظ أيضًا أن بعض المؤرخين قد عارضوا هذه الرواية ولم يعترفوا بصحتها.
ومما هو ثابت أن إرم ذات العماد تمثل قبيلة عاد الأولى، التي كانت معروفة بالقوة والجبروت، فقد منح الله تعالى قوم عاد قوة جسدية وضخامة في الشكل وزيادة في الثروة والعمران. ومع ذلك، لم يستخدموا هذه النعم في طاعة الله، بل عاثوا فسادًا وشركوا بالله، وقاموا باستغلال قوتهم في ظلم الآخرين والتعدي على الضعفاء.
أرسل الله – سبحانه وتعالى – نبيّه هود – عليه السلام – للدعوة إلى إيمان قوم عاد الأولى، المعروفين بإرم ذات العماد، بعبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام. ولكن قوم عاد رفضوا دعوته وزادوا في عنادهم وكفرهم، حيث تفاخروا بقوتهم وما شيدوه من المباني. وقد جاء وصف الله – سبحانه وتعالى – لهم في سورة البلد: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ* إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ* الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ). وقد أشارت العديد من الآيات إلى عناد هؤلاء القوم وإصرارهم على رفض دعوة نبيهم هود – عليه السلام -. ثم بعد محاولات هود المختلفة لإقناعهم بالإيمان، ظلوا على عنادهم. لذلك سلط الله – سبحانه وتعالى – عليهم عذابًا شديدًا أهلكهم ودمر مساكنهم. فقد أرسل الله عليهم ريحًا عاتية أبادتهم، حيث لم تُبقي على ما شيدوه، بينما أنجى الله – تعالى – نبيَه هودًا والذين آمنوا معه، كما ورد في وصف عذاب عاد: (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ* سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ* فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ).
أحدث التعليقات