السيدة مريم العذراء وُلِدت في مدينة الناصرة، الواقعة في دولة فلسطين، حيث كان بيتها أيضًا، وغالبًا ما يُطلق على سكانها لقب “النصارى”. ومن المهم الإشارة إلى أن الناصرة هي المدينة التي نشأ فيها السيّد المسيح -عليه السلام-. عندما حان وقت ولادة المسيح، خرجت السيدة مريم من الناصرة واتجهت إلى بيت المقدس لتلبية هذا الحدث العظيم. وهذا هو السبب وراء تسمية اليهود يسوع بالنّاصري وأتباعه بالنّصارى.
تبدأ قصة السيدة مريم العذراء مع أبوين مؤمنين هما عمران وحنّة. لكنّ أمها، حنّة، كانت تعاني من العقم ولم يُرزقها الله -تعالى- بالذرية. عاشت عائلة مريم ألم الحرمان لفترة طويلة، ولكن الأمل لم يفارق قلب الأم، حيث كانت تدعو الله باستمرار أن يُرزقها بالولد، مضت قبل أن تستجيب دعواتها.
استجاب الله دعاء أم مريم وباركها بحملها الأول، هذا الحمل جلب فرحًا كبيرًا لها نسيها آلام الانتظار. امتلأ قلبها بالسعادة وارتسمت الابتسامة على وجهها، فكانت تدعو الله -تعالى- بالشكر، كما ورد في آيات سورة مريم: “إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ”.
مرّت أيام الحمل وملأت السعادة قلب الأم، لكن شاءت إرادة الله -تعالى- أن يتوفي زوجها عمران قبل أن يُرزقا طفلهم الأول. وعند دخولها في مرحلة المخاض شعرت بمفاجأة كبيرة حين وضعت طفلتها، على عكس ما كانت تأمل. وعبرت عن أسفها بقولها كما جاء في قوله -تعالى-: “فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ”.
لقد نفخ جبريل في جيب السيدة مريم، ليحدث الحمل بعيسى المسيح -عليه السلام-، وتحققت ولادته في بيت لحم، القرية القريبة من بيت المقدس، والمطلة عليه من بعد فرسخين. تحتوي هذه القرية على كنيسة مشهورة وقطعة من النخلة التي يُقال إن السيدة مريم قد تناولت منها خلال فترة ولادتها. كما ورد في قوله -تعالى-: “وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ”.
منّ الله -تعالى- على السيدة مريم بالتقوى واليقين. وفي أحد الأيام، بينما كانت مريم في حالة من الاعتكاف والطمأنينة، ظهر لها رجل لا تعرفه مما أثار خوفها. لكنها استعاذت بالله منه، فأخبرها بأنه ملك مُرسل من قبل الله ليبشرها بغلام. جاء ذلك في قوله -تعالى- في سورة مريم: “قالَت إِنِّي أَعوذُ بِالرَّحمنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا*قالَ إِنَّما أَنا رَسولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا”.
استحوذت الدهشة على مريم، حيث كانت عذراء ولم تعرف الفواحش. لكن الملك أوضح لها أن حملها سيكون بتصريف الله -تعالى-، وأن ابنها سيكون علامة للناس. قال -تعالى-: “قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا”. وبعد مغادرته، بدأت مريم تشعر بالخوف وتتخيل ما قد يقوله الناس عنها، متمنية لو أنها كانت ميتة قبل وقوع هذا الأمر.
حين حان وقت الولادة، وضعت مريم مولودها، واستقبلتها أصوات مُطمئنة تُذكرها بعدم الخوف. وبفضل الله -تعالى-، جرى تحتها ماء وأُعطيت من التمر والرُطب من النخلة. ملأت الطمأنينة قلبها، فرجعت إلى قومها وهي تحمل طفلها، لكنها واجهت تهمة قومها واستنكارهم. ومع ذلك، أشارت إلى طفلها، الذي تحدّث بأمر من ربه، فقال -تعالى-: “قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا* وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا* وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا* وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا”.
خلاصة المقال: يسلط المقال الضوء على المدينة التي وُلِدت فيها السيدة مريم العذراء -عليها السلام-، وهي الناصرة، ويشير إلى نذرها ما في بطنها لله -تعالى- بعد سنوات من الانتظار، كما يتحدث عن ولادة المسيح عيسى بن مريم -عليه السلام- وعلاقته بأمه وكلامه المعجز في المهد.
أحدث التعليقات