يتميز غار حراء بموقعه في الجهة الشماليّة الشرقيّة للمسجد الحرام، حيث يحتل قمة جبل النور، المعروف بجبل حراء، الذي يصل ارتفاعه إلى مئتين وواحد وثمانين متراً. يُعتبر صعود الجبل تحدياً، إذ يحتاج الزوار إلى حوالي ساعة من الوقت للوصول إلى القمة. وتجدر الإشارة إلى أن الغار داخله ضيق نوعاً ما، حيث يمكن أن يستوعب شخصين فقط، أحدهما يصلي كإمام والآخر كمأموم. يبلغ طول غار حراء ثلاثة أمتار، وعرضه الأقصى يصل إلى متر وثلاثين سنتيمتراً.
كان النبي محمد -صلّى الله عليه وسلّم- يذهب إلى غار حراء للانعزال والتفكر قبل أن يُبعث من قِبَل الله تعالى كنبي، حيث كان يقضي ليالي طويلة هناك يتأمل في الكون، ويقوم بالتعبد إلى ربه. بعد ذلك، كان يعود إلى أسرته للاطمئنان عليهم، ويتزود بالمؤن ليعود إلى الغار مرة أخرى.
يمتلك غار حراء دلالة رمزية عظيمة ومكانة رفيعة في الإسلام، حيث سعى النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى هذا الغار ليعتكف فيه، مُمارساً العبادة وابتغاء القرب من الله، وذلك قبل أن ينزل عليه الوحي مع جبريل. كان يترك عبادة الأوثان التي اقتُبست من قومه، ثم يعود ليأخذ زاده لمواصلة اعتكافه في الغار. وفي الغار، نزل عليه الوحي في المرة الأولى، حيث روى أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قصة هذا الحدث، حيث قالت: (وكان يَخلو بغار حراء فيتحنث فيه -وهو التعبد- الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني، فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ}، فرجع بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرجف فؤاده).
يقع غار ثور في الجهة الجنوبيّة لمكة المكرمة، وهو تجويف صخري يقع في قمة الجبل الذي يحمل نفس الاسم. يحتوي الغار على فتحتين، واحدة في المقدمة والأخرى في المؤخرة. اختار رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى جانب صاحبه أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- هذا الغار للإقامة فيه أثناء تغييرهم للطريق المعتاد في هجرته من مكة إلى المدينة المنورة. الغار مذكور في قوله تعالى: (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَد نَصَرَهُ اللَّـهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّـهَ مَعَنَا)، حيث حفظ الله نبيه وصاحبه في هذا المكان من الأعين الشاكة.
يتجلى دور غار ثور في الإسلام بوضوح، إذ يشير القرآن الكريم إلى هذه البقعة المباركة في الآية المذكورة سابقًا، حيث كان الغار ملاذاً آمناً للنبي -عليه الصلاة والسلام- وصاحبه أبي بكر -رضي الله عنه- خلال هجرتهم. حيث غادر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وصاحبه مكة المكرمة متوجهين إلى المدينة المنورة، وتوجهوا إلى غار ثور حيث بقيا هناك لمدة ثلاثة أيام حتى يئست قريش من معرفة مكانهما. فقد وصلت قريش إلى باب الغار، لكن الله أعمى أبصارهم عن رؤية النبي وصاحبه.
وفي هذا السياق، ينقل أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- مشاعره أثناء وجودهما في الغار، حيث قال: (نظرت الى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه، فقال: يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما). لذلك، كان هذا الغار ملاذًا آمنًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه خلال هجرتهم.
أحدث التعليقات