مملكة سبأ تُعتبر واحدة من الممالك العربية القديمة ذات التاريخ العريق، وتحديداً من الممالك اليمنية التي لعبت دوراً محورياً في تاريخ المنطقة. يُعتقد أن نشأتها تعود إلى القرن الحادي عشر قبل الميلاد على أقل تقدير، على الرغم من أن الوجود الواضح لها كان في القرنين العاشر والتاسع قبل الميلاد. سُمّيت المملكة نسبةً إلى سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، الذي يُعتبر أحد أسلاف العرب، بينما يُذكر في بعض المصادر العربية أن لها اسمًا آخر هو عامر، لأنها كانت تُعتبر أول من قام بالسبي. وترتبط اسم سبأ بمعاني مختلفة في النصوص القديمة، بما في ذلك القتال، حيث وُجدت في نصوص خط المسند بمعنى الحروب. كما ذُكرت مملكة سبأ في التوراة تحت اسم شيبة، واهتم بها العديد من الكتّاب اليونانيين والرومانيين، بالإضافة إلى الآشوريين.
تقع مملكة سبأ في الجنوب العربي، على بُعد نحو 200 ميل شمال غرب مدينة عدن في اليمن، حيث تُعتبر مدينة مأرب عاصمتها، التي تبعد حوالي 60 ميلاً إلى الشرق من صنعاء، وترتفع بمقدار 2900 قدم فوق مستوى سطح البحر. تشتهر هذه المدينة بوجود سد مأرب الكبير الذي يُعتبر أعجوبة معمارية بفضل تصميمه الهندسي الرائع، حيث يبلغ عرضه 150 ذراعًا وطوله يصل إلى 800 ذراع. كان هناك نظام أبجدي يشمل 29 حرفًا يُعرف بحرف المسند، وتولى شؤون الدولة آنذاك شخصية تُسمى ألم كرب، الذي جمع بين الوظائف الحكومية والدينية، ومن أبرزهم المكرب يثع أمر وكربئيل. تعتبر شريعة السبئيين متقدمة من الناحية السياسية، وتعكس نظام حكم ناضج ورائع.
لعب موقع مملكة سبأ دورًا حاسمًا في تعزيز ريادتها في مجالات الملاحة، حيث كانت تعتمد على الرياح الموسمية لتسيير سفنها في البحر الغربي والمحيط الهندي. استفاد الرومان أيضًا من خبرات أهل اليمن في الملاحة، مما أدى إلى تقليل الاهتمام بالطرق التجارية البرية. كما قام السبئيون بإنشاء مستعمرات على سواحل القارة الأفريقية، حيث كانت تلك المناطق خاضعة لسيطرتهم في نهايات القرن الأول قبل الميلاد.
تميزت مملكة سبأ بثرائها التجاري، وخصوصًا في تجارة اللبان، والبخور، والعطور، حيث كانت قوافلهم تحمل أشياء نفيسة وثمينة، وكانت تربطهم علاقات تجارية مع العبرانيين. عُرفت مملكة سبأ أيضًا بكونها المملكة الوحيدة بين الممالك القديمة في اليمن التي ذُكِر اسمها بشكل صريح في القرآن الكريم.
معروف عن السبئيين أنهم كان لهم معتقدات دينية متنوعة، حيث عبدوا القمر وكوكب الزهرة والشمس منذ القرن السابع قبل الميلاد. وفي القرن الرابع قبل الميلاد، ومع تغير الأسرة الحاكمة، بدأوا بعبادة الأصنام، مثل صنم تألب ريام، الذي يُعتبر جد الهمدانيين. وقد كان لكل قبيلة صنم خاص بها يأتي بعد الأصنام الرئيسية للمملكة، بالإضافة إلى تمجيدهم للوَعْل. لكن في القرن الأول الميلادي، تخلوا السبئيون عن عبادة الأصنام واعتنقوا عبادة إله واحد، وتظهر أسماء مثل شرح إيل وشرحبيل كدليل على هذا التحول.
تُعتبر ملكة سبأ واحدة من الشخصيات البارزة المذكورة في القرآن الكريم وفي التوراة. على الرغم من أن اسمها لم يُذكر صراحة في النصوص الدينية، إلا أن المفسرين وأهل الأخبار أشاروا إلى اسمها كبلقيس، ابنة أحد ملوك اليمن (الهدهاد بن شرحبيل). كما ذكر القرآن قصة ملكة سبأ مع نبي الله سليمان -عليه السلام-، حيث كان سليمان يراقب الأمور بهمة، واكتشف غياب الهدهد. عندما عاد الهدهد، أخبره عن مملكة تُحكمها امرأة، مما دفع سليمان لإرسال رسالة إليها.
استجابت بلقيس لرسالة سليمان وأرسلت له هدية، في محاولة لفهم قوته ومملكته. وعندما زارت بلقيس سليمان، اندهشت من عرشها الموجود في قصره واستشعرت بقوتها، مما جعلها تعلن إسلامها وتتبعه قومها في ذلك. تتمثل أحداث تلك الزيارة في قوله: (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً)، وبذلك، أسلمت بلقيس لله رب العالمين، مما يبرز تحولًا تاريخيًا كبيرًا في مملكة سبأ.
أحدث التعليقات