وضح الله سبحانه وتعالى في سورة القصص أنه قد ابتلى قارون بخسف الأرض بداره، حيث جاء في قوله: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّـهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ). والخسف يعني غمر جزء من سطح الأرض إلى باطنها، مما يدل على أن مكان قارون والثروات التي كان يمتلكها كانت في أعماق الأرض.
قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب -عليهم السلام- كان ابن عم ومؤمن بموسى -عليه السلام-، واعتُبر من أذكى بني إسرائيل بعد موسى وهارون، وكان الأكثر قراءة للتوراة والأجمل والأغنى. لكن، تمكن فرعون من استقطابه لصفه وجعله وزيرًا للمال، فتأثر قارون بالغرور والاستعلاء، ما جعله يشبه فرعون الذي استبد بملكه وكهامان الذي افتخر بقوته.
ذُكر في كتب العلم والأخبار أن أول معصية لقارون كانت عندما أبى تنفيذ أمر الله -تعالى- الذي أوحاه إلى موسى -عليه السلام-، بأن يأمر قومه بتعليق أربعة خيوط بلون السماء على أرديتهم لتذكيرهم بكلام الله. لكن قارون استكبر ورفض، ظنًا منه أن ذلك يميز الأسياد عن بقية الناس.
وموسى -عليه السلام- دعا فرعون وهامان وقارون إلى عبادة الله وحده وترك الكفر، لكنهم أعرضوا عنه وكذبوه، كما جاء في قوله: (وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ). وعلاوة على ذلك، اتهموه بالكذب كما جاء في قوله: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ* إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ).
لقد تم الإشارة سابقًا إلى أن قارون كان يمتلك ثروات طائلة، بحيث كانت مفاتيح خزائنه تثقل حتى على عدد من الرجال الأقوياء، حيث قال الله -تعالى-: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ). وقد قام أهل الوعظ والإرشاد بنصحه بعدة نصائح، منها:
ومع ذلك، لم يستمع قارون إلى نصائحهم، بل ردّ عليهم بأن ثروته نتيجة لمجهوده وذكائه، حيث قال: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي). ولم يكتف بذلك فحسب، بل كان يخرج على قومه مع مظاهر فاخرة أدت إلى افتتان بعض الناس برغبتهم في الحصول على ما لديه من مال.
بينما كان موقف العلماء والحكماء معاكسًا، حيث كانوا يُذكرون الناس بأن جزاء الله -تعالى- للمؤمنين في الآخرة هو أعظم، كما قال: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ* وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّـهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ). أما عاقبة الله -تعالى- لقارون فكانت بخسف الأرض به وبداره، كما جاء في قوله: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّـهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ).
أحدث التعليقات