قال الله -تعالى-: (الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ). فقوله “في أدنى الأرض” يشير إلى أخفض منطقة على الكرة الأرضية. وقد أوضح العلماء أن هذه العبارة تعني أدنى نقطة تحت مستوى سطح البحر، وتحديدًا البحر الميت. وقد ذكر ابن عباس -رضي الله عنه- أن هذه المعركة جرت في المنطقة الممتدة بين الأردن وفلسطين.
ويُفهم أيضًا أن “أدنى الأرض” تعني أقرب المناطق للعرب، حيث تمّت هزيمة الروم في أقرب الأراضي إليهم، وهي مناطق الشام المختلفة، أو في المواقع القريبة من أعدائهم. والسياقات التاريخية تشير إلى أن أذرعات كانت من بين أكثر المناطق قربًا لمكة. وعند تفسير مجاهد، يُذكر أن الجزيرة كانت الخيار الأقرب للروم لفارس، في حين وصف عكرمة أذرعات وكَسْكَر كمواقع محتملة، بينما ذكر السدي أن الهزيمة حدثت بالأردن وفلسطين.
وفيما يتعلق بكلمة “أدنى”، فقد نُسب لها معنيان؛ الأول هو “الأقرب” وهو افتراض بعيد نظرًا لطبيعة الكرة الأرضية، والثاني يكون بمعنى “الأسفل”. وحسب قول محمد راتب النابلسي، اجمع المؤرخون أن المعركة التي انتصر فيها الروم على الفرس كانت في الأغوار، والتي تقع في الأردن بالقرب من البحر الميت، حيث تُعتبر هذه النقطة أخفض نقطة في العالم.
شهدت ساحة المعركة يومًا صراعًا بين فارس والروم، حيث مُنيت الروم بالهزيمة، مما أفرح المشركين في مكة فرحًا عارمًا، نظرًا لأن الفرس كانوا يعبدون الأصنام. وفي هذا السياق، أبلغ أبو بكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك، فأكد له النبي أن الروم سينتصرون في يوم من الأيام، وأنزل الله -سبحانه وتعالى- قوله: (غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ). وعندما استفسر المشركون من أبي بكر حول هذا الأمر، أكد لهم صحة ذلك، ولكن بعد مرور سبع سنوات ظلت الأوضاع على ما هي عليه، مما جعل المشركين يظنون أن الأمر مستمرًا، لكن بعد ذلك، وقبل مضي عامين، انتصرت الروم على الفرس كما تم إيضاحه في القرآن، مما أسعد المسلمين.
عبر الرسول والمسلمون عن حزنهم لانتقام الروم، نظرًا لأنهم ينتمون لأهل الكتاب، في حين تفاءل المشركون واحتفلوا بهزيمة الروم ونجاح الفرس. وقد أظهر المشركون تكبرًا وسخرية من المسلمين، لأن الفرس لا يعدون من أهل الكتاب، بل كانوا يعبدون الأوثان. والاختلاف هنا بين الفريقين هو أن أهل الكتاب يعتقدون بوجود إله وكتاب سماوي ورسول، بينما ينكر المشركون وجود الله أو يقيمون له شركاء. وقد عبّر القرآن الكريم عن فرحة المسلمين عند انتصار الروم على الفرس في المرة الثانية، بقوله -سبحانه-: (لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ).
خلاصة المقال: يُعتقد أن الموقع الذي حدثت فيه هزيمة الروم هو أدنى نقطة على سطح الأرض، أي البحر الميت، أو الأقرب للعرب في أطراف الشام، خاصة أذرعات. وفي البداية، انتصرت فارس على الروم، مما حزَن النبي والمسلمين نظرًا لأن الروم يعتبرون من أهل الكتاب، بينما الفرس يعبدون الأوثان، مما تسبب بفرح المشركين. ولكن بعد مرور بضع سنوات، تحقق وعد الله عندما انتصرت الروم على فارس، مما أدخل الفرح إلى قلوب المسلمين.
أحدث التعليقات