أول نبي أُرسل إلى البشرية

نوح: أول رسول بُعث إلى الأرض

يعتبر نوح -عليه السلام- أول رسول تم إرساله إلى الأرض، والدليل على ذلك ما ورد في حديث الشفاعة، حيث يأتي الناس إلى نوح -عليه السلام- ويقولون له: (لكن ائتوا نوحًا، فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض)، فيأتيهم نوح ليعترفوا بأنه أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض. وعلى الرغم من أن آدم -عليه السلام- هو أول الأنبياء، إلا أن نوح -عليه السلام- يُعتبر أبو البشرية الثاني وأحد أولي العزم من الرسل. وقد كلفه الله -تعالى- بمهمة الرسالة وهداه إلى الحق، ليقوم بدعوة من عاش في عصره بعد الطوفان، حيث ذُكرت قصته في العديد من آيات القرآن، وقد خُصصت له سورة تحمل اسمه -سورة نوح- نظراً لأهمية دعوته.

دعوة نوح لقومه

بعد فترة من الزمن تقدر بعشرة قرون من عبادة التوحيد بعد آدم -عليه السلام-، بدأ الناس في الانحراف عن عبادة الله -تعالى- وسلكوا سلوك الشرك والضلال. كان قوم نوح أول من انحرفت عقائدهم على الأرض، حيث أسسوا عبادة الأصنام تأثراً بأشخاص صالحين كانوا قد قُتلوا. بعد وفاة هؤلاء الصالحين، قام الناس بصنع تماثيل لهم ليذكروهم بالعبادة، ومع مرور الزمن ظن أحفادهم أن آباءهم كانوا يعبدون هذه الأصنام. لذا، أرسل الله -تعالى- رسوله نوح -عليه السلام- ليقوم بدعوتهم في العراق.

بعث الله نوحًا برسالة تدعو إلى عبادة الله وحده وترك الأصنام. استمر نوح -عليه السلام- في دعوته لمدة ألف سنة إلا خمسين عاماً، وفقًا لقوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا). وجه نوح دعوته لهم في كل وقت، ولم يتراجع أمام السخرية، فقد آمن بعضهم وكفر الآخرون، مما دعا الله -تعالى- للإخبار نوح بأن عدد المؤمنين سيكون قليلًا، حيث قال الجبار: (وَأوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَد آمَنَ فَلا تَبتَئِس بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ). وفي هذا السياق، دعا نوح ربه طالباً الهلاك للكافرين من قومه، كما جاء في الآية: (وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا).

صناعة نوح للسفينة

عندما كذّب الكثير من قومه بنبوته، دعا نوح بدعاء الهلاك. وأمره الله -تعالى- ببدء صناعة السفينة قائلاً: (وَاصنَعِ الفُلكَ بِأَعيُنِنا وَوَحيِنا وَلا تُخاطِبني فِي الَّذينَ ظَلَموا إِنَّهُم مُغرَقونَ). بدأ نوح في تجهيز الأخشاب وصنع السفينة، وقد واجه سخرية من قومه الذين انتقدوه لبناء سفينة على اليابسة، كأنهم أُعجبوا ببناء سفينة لأول مرة، فقد ورد عن ابن عباس أن الأرض كانت خالية آنذاك من الأنهار والبحار. أشار نوح إلى قومه بخطورة سخرهم منه إذ حذرهم من عاقبة ذلك بالعذاب، حيث قال: (قالَ إِن تَسخَروا مِنّا فَإِنّا نَسخَرُ مِنكُم كَما تَسخَرونَ* فَسَوفَ تَعلَمونَ مَن يَأتيهِ عَذابٌ يُخزيهِ وَيَحِلُّ عَلَيهِ عَذابٌ مُقيمٌ).

مصير قوم نوح

أوحى الله -تعالى- لنبيه بإشارة تدل على قرب العذاب، حيث أخرجت الأرض نيرانًا من داخلها، كالبراكين. عندها، ركب نوح ومن آمن معه في السفينة، وكان عددهم حوالي الأربعين أو سبعة عشر، وأخذ معه زوجين اثنين من كل نوع من الحيوانات تخوفًا من الانقراض، كما جاء في قوله: (قُلنَا احمِل فيها مِن كُلٍّ زَوجَينِ اثنَينِ وَأَهلَكَ إِلّا مَن سَبَقَ عَلَيهِ القَولُ وَمَن آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلّا قَليلٌ). أرسل الله -تعالى- مطرًا شديدًا من السماء، واستخرجت الأرض من جانبها المياه، كما قال تعالى: (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانصُرْ* فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ* وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ* وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ* تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ).

وحدث أن ابن نوح -عليه السلام- كان من الكافرين، وقد ناداه ابنه للركوب في السفينة، لكنه رفض متجهًا نحو الجبال. أشار له والده بألا ينخدع، حيث ذكره بأنه لن ينجو أحد، وقد جاء الحوار كما ورد في الكتاب: (وَهِيَ تَجري بِهِم في مَوجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نوحٌ ابنَهُ وَكانَ في مَعزِلٍ يا بُنَيَّ اركَب مَعَنا وَلا تَكُن مَعَ الكافِرينَ* قالَ سَآوي إِلى جَبَلٍ يَعصِمُني مِنَ الماءِ قالَ لا عاصِمَ اليَومَ مِن أَمرِ اللَّـهِ إِلّا مَن رَحِمَ وَحالَ بَينَهُمَا المَوجُ فَكانَ مِنَ المُغرَقينَ).

وبذلك انتهى الطوفان بغرق جميع سكان الأرض، ولم ينجُ إلا من كان مع نوح في السفينة، حيث أمر الله -تعالى- السماء بالتوقف عن المطر وأمر الأرض بامتصاص المياه، لتستقر السفينة على جبل الجودي، كما جاء في قوله تعالى: (وَقيلَ يا أَرضُ ابلَعي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقلِعي وَغيضَ الماءُ وَقُضِيَ الأَمرُ وَاستَوَت عَلَى الجودِيِّ وَقيلَ بُعدًا لِلْقَومِ الظّالِمينَ). وعادت الأرض إلى حالتها الطبيعية، ليخرج من السفينة أولئك الذين نجوا بسلام.

تعريف الرسول

الرسول في اللغة هو الشخص الذي يحمل رسالة معينة سواء كانت مكتوبة أو شفوية. هو الشخص الذي يقوم برحلة قصيرة لضمان إيصال رسالة معينة، سواء كان فردًا أو مجموعة، مثل قولنا “رسول خير” أو “هم رسل خير”. أما في الاصطلاح، فيعني الشخص الذي يتبع أخبار من قبله. كما تقول العرب: جاءت الإبل رسلاً؛ أي تتبع بسرعة. سُمي الرُسُل بهذا الاسم لأنهم مبعوثون من الله -تعالى- ومكلفون بحمل الرسائل ومتابعتها، كما قوله تعالى: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى).

الحكمة من إرسال الرسل

بعث الله -تعالى- رسوله لحكمة عديدة، منها:

  • تبليغ الناس بما يحبه الله -تعالى- وما يكرهه، لتحريرهم من عبادة غيره والإرشاد إلى طريق السعادة في الدنيا والآخرة.
  • تعريف الناس بالغرض الذي من أجله خلقهم الله -تعالى-، وهو العبادة، كما ورد: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونَ).
  • إقامة الحجة على الناس، لتكون الحجة موضوعة أمامهم يوم القيامة ولا تعذر لهم.
  • كشف الأمور الغيبية مثل معاني أسماء الله وصفاته وبيان جزاء المؤمنين والكافرين.
  • كنموذج يُحتذى به في جميع جوانب الحياة الدينية، نظرًا لكونهم معصومين.
  • إرشاد البشر إلى ما يصلح نفوسهم وأخلاقهم، كما ورد في قوله: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ).\
Published
Categorized as إسلاميات