الشخص الذي بادر بتحية الإسلام إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه-، حيث قال: (كنت أنا أول من حيّاه بتحية الإسلام، فقلت: السلام عليك يا رسول الله، فقال: وعليك ورحمة الله). عُرف أبو ذر بصدقه، ولذلك قيل عنه: (ما أقلت الغبراء ولا أظلّت الخضراء من رجل أصدق لهجة من أبي ذر). كان -رضي الله عنه- عالماً، يوازي علمه بعلم ابن مسعود، على الرغم من أنه لم يحضر غزوة بدر، ولكنه التحق مع القرّاء، وقد تعرض للأذى كثيراً في سبيل الله. يقول الله -تعالى-: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها)، وكلمة التحية تعني الملك، وقد كان الناس قديماً يقولون: حيّاك الله؛ بمعنى ملّكك الله، ثم تحوّلت هذه التحية إلى السلام في الإسلام.
تعددت الآراء حول اسم أبي ذر الغفاري، فقيل إنه بُرير أو جُنادة، لكن الشائع أنه جندب بن جُنادة. كان يتعبد قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- بثلاث سنوات، حيث كان يقوم الليل حتى إذا أدركه التعب ينام. عندما بعث الله نبيّه محمد، كان من السابقين إلى الإسلام، حيث كان يعد الرابع ممن دخل الإسلام، وكان أول من حيّا رسول الله بتحية الإسلام. عاهد رسول الله على الإيمان بالله، ونبذ الشرك، والزهد في متاع الدنيا. وقد شبه بعيسى ابن مريم -عليه السلام- لكثرة طاعته، وكان يحرص على تطبيق وصايا النبي، ويقوم بخدمة النبي قبل أن يتفرغ للصلاة والعبادة. كان يحب العزلة، وعالماً بارزاً حيث كان أول من تحدث عن علم الفناء والبقاء. كان طويلاً ذو رأس ولحية بيضاء، وأمه رملة بنت وقيعة. وقد أخى رسول الله بينه وبين سلمان الفارسي. توفي -رضي الله عنه- في الربذة سنة اثنين وثلاثين، وقد قام عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- بغسله ودفنه.
قد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لأبي ذر: (يا أبا ذر، إني أراك ضعيفاً، وأحب لك ما أحب لنفسي، فلا تَأمِّرَنَّ على اثنين، ولا توليَنَّ مال يتيم). وقد روى عنه الكثير من الصحابة مثل أنس بن مالك، وجُبَير بن نفير، وزيد بن وهب، وسعيد بن المسيّب، وسفيان بن هانئ. كما ذكر ابن عساكر في كتابه “تاريخ دمشق” أنه كان شجاعاً ومقداماً وعالماً، ولم يدع شيئاً من علم رسول الله إلا وعلمه للناس، ولم يترك شيئاً من ذلك العلم إلا ونقله لمالك بن ضمرة.
خلق الله -عز وجل- آدم -عليه السلام- ثم قال له: (اذهب فسلّم على أولئك النفر، وهم نفر من الملائكة جلوس. فاستمع ما يجيبونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك). فذهب آدم وقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، وزادوه: ورحمة الله. وكانت هذه التحية هي تحية الإسلام، وتُعتبر أيضاً تحية أهل الجنة، وأكملها وأفضلها قول المسلم: “السلام عليكم ورحمة الله وبركاته”، فهي دعاء بالسلام والرحمة والبركة. كما أن اسم السلام من أسماء الله الحسنى، وهو من حقوق المسلم على أخيه المسلم، وبدء الحديث به يُعتبر سنةً تنطبق على الجميع بغض النظر عن العرق أو المكانة الاجتماعية أو الوضع المالي، إذ يدل على التواضع ويبتعد عن الكِبر، مما يسهم في نشر الألفة والمحبة بين الناس.
إفشاء السلام يعتبر من مقتضيات الإيمان التي تنجي صاحبها من النار وتدخله الجنة. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم). كما تُعتبر تحية المسلمين في الآخرة. يقول الله -تعالى-: (تحيتهم يوم يلقونه سلام). الله -تعالى- والملائكة يسلّمون على عباد الله بهذه التحية، والعباد يتبادلون تحية الإسلام فيما بينهم. من المستحب أيضاً أن يسلم الشخص عند دخوله البيت، سواء كان فيه أهل أم لا، فإن كان فارغاً، يقول: “السلام علينا من ربنا”. وعندما يدخل مسجداً ولا يوجد فيه أحد، يقول: “السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين”.
أحدث التعليقات