يُعتبر الوليد بن المغيرة أول من أقر عقوبة قطع يد السارق، وذلك في فترة الجاهلية. جاء هذا القرار نتيجة انتشار الفقر بين سكان مكة، مما زاد من المخاوف لدى الأثرياء. تجلّت المشكلة في تزايد حالات السرقة، فحاول الزعماء إيجاد حلول للتخلص من الفقر، آملين أن يؤدي ذلك إلى تقليل معدل الجرائم.
لكن جهودهم لم تكن فعّالة، إذ شهدت الأوضاع تدهوراً أكبر عندما بدأ الفقراء يتجرؤون على الأهالي الأغنياء، مُجبريهم على توزيع ثرواتهم. نتيجة لذلك، بدأ الأثرياء في التواصل مع الزعماء لإقناعهم بتقديم المساعدات للفقراء. وبسبب تصاعد الاعتداءات، قرر الزعماء فرض عقوبات صارمة بحق من يتجاوز على ممتلكات الآخرين بشكل غير مشروع، حتى أصدر الوليد بن المغيرة حكمًا بقطع يد السارق، مما أضفى طابعًا رسميًا على هذه العقوبة عند حدوث السرقة.
عرف الإسلام السرقة بأنها الاعتداء على أموال الآخرين دون حق وبتخفي، وقد حرّمها وفق شروط محددة. تأتي الأدلة على تحريم السرقة من القرآن الكريم، والسنة النبوية، وإجماع العلماء، حيث تُعتبر من الكبائر. وقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ، يَسْرِقُ البَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ).
لذا، فرض الإسلام الحد على السارق كعقوبة لفعله، ويتمثل هذا الحد في قطع اليد، وذلك استناداً لقوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). كما روت عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقطع السارق في ربع دينار فصاعدًا.
يتطلب إقامة الحد على السارق توافر مجموعة من الشروط، وهي كما يلي:
فالذي يأخذ المال علانية، أو الغاصب، أو الخاطف لا يُقام عليه الحد، لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ليسَ على خائنٍ ولا منتَهبٍ ولا مختلِسٍ قطعٌ).
فلا يُقام الحد على الطفل أو المجنون إذا سرق، ولكن يُعاقب الطفل.
لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (رُفعَ عنْ أمتِي الخطأُ والنسيانُ وما استكرِهوا عليهِ).
من المهم أن يعلم السارق أن السرقة محرمة.
فيجب أن يملكه شخص غير كافر حربي. فلا حد على الأموال غير المحترمة مثل الميتة والخنزير ومال الكافر الحربي.
وهو ربع دينار من الذهب، أو ثلاثة دراهم من الفضة، أو ما يعادل ذلك.
ويعني ذلك أن يؤخذ المال من المكان المخصص لتخزينه، ويُقاس ذلك حسب العرف.
دون وجود أي شبهة حول ذلك.
سواء من خلال شهادة عدلين أو بموجب إقرار السارق.
يجب أن يطالب صاحب المال بحقوقه.
تستند الشريعة الإسلامية إلى حفظ الأموال، والأعراض، والأنفس، وتعمل على تحقيق هذه المصالح بتحديد عقوبات لمن يتجاوزها. بناءً عليه، فقد تم إقرار عقوبة السرقة؛ لأن تلك الجريمة تؤدي إلى فقدان الممتلكات والتعدي عليها. فإقامة الحد يحفظ المال والنفس والعرض، ويؤمن المجتمع من المشاعر السلبية التي قد تؤدي إلى انتشار الخوف والقلق، مما يمنع تقدم الأمم ونموها.
أحدث التعليقات