تُعتبر جامعة القرويين رائدة في مجال التعليم العالي، إذ تُعَد أقدم جامعة في التاريخ لا تزال مستمرة في العمل حتى يومنا هذا. تأسست هذه الجامعة عام 859 ميلادي على يد الأميرة فاطمة الفهري، وتقع في قلب مدينة فاس بالمغرب. تتميز الجامعة بتصميمها المعماري المستوحى من الفنون الأندلسية، وبزخارفها الكوفيّة الرائعة، كما تضم مكتبة الجامعة مجموعة ثمينة من المخطوطات، بما في ذلك نسخ قديمة من القرآن الكريم.
هاجرت الأميرة فاطمة الفهري مع والدها محمد الفهري من القيروان بتونس إلى مدينة فاس المغربية، وانضمت إلى مجموعة من القيروانيين الذين استقروا في المنطقة الغربية لفاس. ورثت فاطمة وأختها مريم ثروة كبيرة عن والدهم، الذي كان يعمل في مجال التجارة، وقامت فاطمة باستخدام هذه الثروة في بناء مسجد أصبح يعرف لاحقًا باسم جامع القرويين.
كان الغرض من إنشاء المسجد هو توفير مركز تعليمي يخدم القيروانيين جنبًا إلى جنب مع كونه مكانًا للعبادة. مع مرور الوقت، تطور المسجد ليصبح مركزًا لتدريس العلوم الدينية، وإجراء المناقشات السياسية، ومن ثم تم توسيع نطاق التعليم ليشمل معظم المواد، لا سيما العلوم الطبيعية. تم تدريس مواضيع متعددة مثل القرآن الكريم، الفقه، علم اللغة، البلاغة، المنطق، الطب، الرياضيات، علم الفلك، الكيمياء، التاريخ، الجغرافيا، والموسيقى، مما أدى إلى جذب العلماء والطلاب من مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
يُعتبر مسجد القرويين محور الجامعة التي تحمل نفس الاسم. وقد نُسِب إليها الفضل في نشر الثقافة الإسلامية وتعليمها خلال العصور الوسطى الأوروبية. في بداية القرن الثالث عشر، هاجر العديد من المسلمين الأندلسيين إلى فاس وجامع القرويين بعد طردهم من الأندلس، حاملاً معهم المعرفة في مجالات الفنون والعلوم الأوروبية والمغربية.
بلغ عدد طلاب الجامعة بحلول القرن الرابع عشر نحو ثمانية آلاف طالب، إلا أن الأعداد بدأت بالتراجع تدريجيًا حتى القرن العشرين. ومع ذلك، استعادت الجامعة جزءًا من إرثها السابق بعد عام 1956 مع استقلال المغرب، حيث تم تحديث مرافقها وإنشاء كلية جديدة للقانون، وتبني أسلوب المحاضرات في التعليم.
أحدث التعليقات