القاسم هو أول أبناء النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- من الذكور، ووالدته هي السيدة خديجة -رضي الله عنها-. يُذكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد نهى أصحابه عن التسمية باسمه أو التكني بكنيته في فترة حياته؛ حيث يُمنع أن يُسمى أحدهم محمد ويُعرف بأبي القاسم. وقد اعتُبر هذا النهي خاصًا بفترة حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وفقًا لما ذكره العديد من العلماء. وُلِد القاسم قبل بعثة النبي وتوفي في صغره، مما يجعله أول أولاده ولادةً وأولهم وفاةً.
بالنظر إلى موقف أهل مكة من قريش تجاه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد صدرت منهم إساءات له حتى بعد وفاة القاسم، حيث وصفوا النبي بأنه “أبتر” في إشارة إلى انعدام ذرية له. وعادةً ما كانت تُستخدم هذه الكلمة في السياقات التي تشير إلى من ليس لديه أولاد أو لمن فقد الخير والبركة في حياته. جاء الرد على هذه الإساءة من الله -عز وجل- في سورة الكوثر: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ). ومن هنا يُفهم أن “شانئك” تعني الكاره والعدو، مما يؤكد على أن الأبتر ومن ليس لديه بركة هو من يعادي النبي ويسيء إلى الإسلام ونظام عباداته.
الأبناء يعتبرون من النعم التي يمنحها الله -تعالى- لعباده. وقد رزق النبي -صلى الله عليه وسلم- بأربع بنات وثلاثة أبناء. البنات هن: زينب، ورقية، وفاطمة، وأم كلثوم. وكانت السيدة زينب هي الأكبر سنًا بين بناته، قيل إنها أيضًا أقدم أبناء النبي في الولادة. أما فاطمة -رضي الله عنها- فكانت الأصغر بينهن، حيث وُلدت قبل بعثة النبي بخمس سنوات وتزوجت من ابن عم النبي علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما-. وقد كانت فاطمة الأولى من آل البيت وفاةً بعد خروجه من الدنيا. في حين وُلدت رقية بعد زينب، وارتبطت بعتبة بن أبي لهب، كما حدث مع أختها أم كلثوم. وعندما نزلت الآية الكريمة (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ)، قام أبناء أبي لهب بتطليق بنات النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكن الله عوّضهن بخيرٍ، حيث تزوجت رقية من عثمان بن عفان، وعندما توفيت تزوج ذو النورين عثمان بأختها أم كلثوم بعد ثلاث سنين.
أما بالنسبة لأبناء النبي -صلى الله عليه وسلّم- من الذكور، فهم القاسم، الذي كان أول من توفي من أبناء النبي، وعبد الله الذي عُرف بالطاهر والطيب؛ لأن ولادته كانت بعد بعثة النبي، وقد توفي أيضًا في صغره. وكل من تم ذكرهم كانوا أبناء السيدة خديجة -رضي الله عنها-. كان للنبي -صلى الله عليه وسلم- أيضًا ابنٌ وحيد من السيدة ماريّا القبطية، وكان اسمه إبراهيم.
توفي أبناء النبي -صلى الله عليه وسلم- خلال حياته، وكان ذلك نتيجة أسباب طبيعية؛ حيث توفى القاسم أولًا، تبعه عبد الله، وذلك في مكة قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- برسالة الإسلام. أما ابنه إبراهيم، فتوفي في المدينة في نفس الوقت الذي حدث فيه كسوف الشمس، مما جعل بعض الناس يعتقدون أن الكسوف كان نتيجة لموت إبراهيم، ورد النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن: (إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ مِن آيَاتِ اللهِ، وإنَّهُما لا يَنْخَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُما فَكَبِّرُوا، وَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا).
يُظهر القارئ في السيرة النبوية أن الله -تعالى- قد أنعم على النبي -صلى الله عليه وسلم- بالأبناء والبنات، ثم ابتلاه بموت أولاده في سن مبكرة. إن ابتلاء فقد الأبناء لا شك أنه من أصعب الابتلاءات التي قد تواجه النفس الإنسانية. وقد عانى النبي -صلى الله عليه وسلم- من فقد والديه في صغره ومن فقد أولاده في كبره. وفي وفاة أبناءه الذكور في طفولتهم حكمة عظيمة، منها حماية الأمة الإسلامية من الفتن الناتجة عن الادعاء بالنبوّة، وتهوين الأمر على نفوس من لا يرزقهم الله بالأبناء أو من فقدوا أبناءهم. فهذه مشيئة الله -تعالى- لنبيّه الكريم، حيث سأل الصحابي سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- النبي عن أشد الناس بلاءً، فأجاب -عليه الصلاة والسلام-: (الأنبياءُ ثمَّ الأمثلُ فالأمثلُ، حتى يُبتلى العبدُ على قدرِ دِينِه، فإنْ كان صُلْبَ الدِّينِ ابتُلِيَ على قدرِ ذاك، وإنْ كان في دِينِهِ رِقَّةٌ ابتُلِيَ على قَدْرِ ذاك).
أحدث التعليقات