القاسم: أول أبناء الرسول

يعتبر القاسم هو أكبر أبناء النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، كما يشير إلى ذلك قوله: (أنا أبو القاسم، الله يُعطي، وأنا أقسم). وُلد في مكة قبل بعثة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتوفي في طفولته، مما سبب حزنًا شديدًا لوالدته خديجة -رضي الله عنها-، التي كانت تتطلع أن تُرزق بأبناء من رسول الله. كان العرب آنذاك يفضلون إنجاب الذكور على الإناث، اعتقادًا منهم بضرورة الاستمرار في النسب وتأكيد القوة والاطمئنان. ومع بروز الإسلام، جاء رسالة إلهية واضحة تدعو إلى عدم التمييز بين الذكر والأنثى، مُؤكدًا أن الرزق والعطاء بيد الله -سبحانه وتعالى-.

حسبما ذكر الزبير، وُلد القاسم في مكة وتوفي فيها، بينما أفاد أبو نعيم أن أحدًا لم يُشر إلى القاسم كصحابي، بل كان يعتبر من أبناء الرسول. وتتفق المصادر التاريخية على أنه أول من توفي من أبناء النبي في مكة. وقد أورد ابن كثير -رحمه الله- معلومات حول وفاته، مشيرًا إلى اختلاف في الروايات حول عمره عند الوفاة؛ فبعضهم قال إنه توفي بعد سبعة أيام، بينما ذكر آخرون أنه عاش سنتين أو توفي بعد أن تعلم المشي. كما جاء عن يونس بن بكير أنه توفي بعد أن بلغ سن ركوب الدابة. بعد وفاته، جاء قول عمرو بن العاص الذي وصف النبي -عليه الصلاة والسلام- بأنه أبتر، مما أدى إلى نزول سورة الكوثر.

زينب: أول بنات الرسول

زينب -رضي الله عنها- تُعتبر أكبر بنات النبي محمد -عليه الصلاة والسلام-، وتزوجت قبل البعثة من ابن خالتها أبي العاص بن الربيع. أنجبت له علي الذي توفي في صغره، وأمامة التي تزوجها فيما بعد علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بعد وفاة خالتها فاطمة الزهراء -رضي الله عنها-. كانت زينب تشعر بالراحة عندما يزور أبو العاص عائلتها. ولما جاء خاطبًا، وافق النبي -عليه الصلاة والسلام- على زواجهما، نظرًا لمكانة أبي العاص وسماته الحميدة.

خلال إحدى رحلاته التجارية لقريش، عاد أبو العاص ليجد زوجته قد أسلمت. أخبرها أنه قد واجه والدها عند الكعبة وأراد منه أن يسلم ولكنه رفض. استمر في توضيح أنه لا يريد أن يُقال إنه خذل قومه أو تنكر لدين آبائه. ومع اشتداد الأذى الذي تعرض له النبي -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه، هاجر إلى المدينة، وبقيت زينب مع زوجها في مكة، حيث لم يكن هناك أمر بالإفراق بين المسلم والكافر في ذلك الوقت. ومع توتر الأوضاع، بدأ الحديث عن نشوب حرب بين المسلمين وقريش، وسرعان ما تأثرت زينب بهذا التوتر، حيث كان عدد مقاتلي قريش يتجاوز الألف.

مع تلقيها خبر أسر زوجها أبو العاص، أرسلت معه هدية ذات قيمة كبيرة عبارة عن قلادة أهدتها إليها خديجة -رضي الله عنها- يوم زفافهما كفدية لزوجها. وعندما رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- هذه القلادة، تأثر وقال إن ابنة النبي ترسلها إلى والدها كي تفتدي زوجها، فأمر بإطلاق سراحه وإرجاع القلادة لها. عاد أبو العاص إلى مكة وعندما رأى زينب، أخبرها بأن الإسلام قد فرّق بينهما ووعد النبي أن يُرجعها إليه، مما دفعها للاستعداد للعودة مع زيد بن حارثة.

نفذت هذه العملية وسط ظروف صعبة. وعندما كانت زينب وطفلاها ينطلقون، لاحقتهم قريش، فقُرح بغلها وسقطت على صخرة، مما أدى إلى فقدان طفلها الذي كان في بطنها. حاول البعض الاعتداء عليها لولا تصدي كنانة لهم. عادت بعدها إلى مكة لتتعافى قليلاً تحت رعاية زوجها، ليعودوا بعد ذلك إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.

بعد ست سنوات في المدينة، جاء أبو العاص إليها في حالة من الإرهاق، مُبلغًا إياها بأنه تعرض للاعتراض أثناء تجارته. وعندما نادت زينب بصوت عالٍ أن يأتي أبو العاص إلى المسجد، سمع النبي ذلك وأخبر الصحابة بعدم إلحاق الأذى به، واستعادوا منه الأموال التي تخص قريش. عاد إلى مكة بعد ذلك، وأظهر إسلامه بشكل علني، حيث كان حريصًا على رد أموال قريش قبل إعلانه إسلامه.

بعد سبع سنوات من الهجرة، دائماً في صيف السنة الثامنة، حدث فراق آخر عندما توفيت زينب -رضي الله عنها- نتيجة للطعنات النفسية التي تعرضت لها في أحداث الصحراء وفقدانها لجنينها. كان حزن أبو العاص عميقًا، متأثرًا بوفاتها، وتوفي في خلافة أبي بكر -رضي الله عنه- بعد اثني عشر عامًا من الهجرة، مما أدى إلى انقطاع نسلها.

ذرية الرسول

تزوج النبي -عليه الصلاة والسلام- من خديجة -رضي الله عنها- في عمر الخامسة والعشرين، وأنجبت له جميع أبنائه باستثناء ابنه إبراهيم، الذي كانت والدته مارية القبطية -رضي الله عنها-، حيث وُلِد في السنة الثامنة من الهجرة. أنجبت خديجة للقاسم، وعبد الله، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة -رضي الله عنهم-. وقد بعث الله -تعالى- برسولٍ يُحقق فطرته البشرية ويُلبي احتياجاته الإنسانية، ولكن أراد الله أن يفقد أبناءه الذكور في الصغر؛ كاختبار له ودرءًا للفتنة عن الناس ممن قد يدعي النبوة بعد وفاته، ليكون عزاءً وموصلةً للمودة لمن يعاني من فقدان الأطفال أو عدم الإنجاب.