أهمية القدوة الحسنة
تُعرّف القدوة بأنها تقليد الآخرين وأخذهم كنموذج في أقوالهم وأفعالهم، وتُعتبر القدوة الحسنة وسيلة تربوية ودعوية بالغة الأهمية تحتاجها الأمة كما يحتاجها الأفراد. تظهر أهمية القدوة الحسنة من خلال النقاط الآتية:
وسيلة فعّالة في الدعوة
يُعتبر تأثير القدوة الحسنة من أقوى التأثيرات على المدعوّين؛ حيث تعزز من اقناعهم بأن الداعية صادق في دعوته وليس مجرد ناقل للكلمات. وتظهر آثار القدوة في الدعوة من خلال ما يلي:
- تُعد القدوة الحسنة من أفضل الوسائل لتبليغ الناس بأحكام الدين من عقيدة وفقه.
- تمتلك القدوة الحسنة القدرة على جذب الناس إلى الإسلام والتزامهم به بشكل أكبر مقارنة بالوسائل الأخرى.
- هناك دول إسلامية دخل فيها الإسلام من خلال القدوة الحسنة، حيث أدرك الناس القيم الإسلامية والأخلاق من خلال أفعال المسلمين قبل أقوالهم.
- أسهمت سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- في دخول العديد من الأشخاص في الإسلام؛ حيث قام الصحابة بتطبيق ما تعلّموه منه، مما جعل الاقتداء بسيرته له تأثير دعوي قوي على المدعوّين.
تُثبّت إمكانية تطبيق تعاليم الإسلام
تتجلى أهمية القدوة الحسنة في كون الإسلام ديناً واقعياً يمكن تطبيقه بسهولة. ويظهر ذلك في النقاط التالية:
- وجود القدوة الحسنة وملاحظتها من قبل الناس تُشعرهم بأن الالتزام بالعبادات وتحقيق الأخلاق العالية أمرٌ ممكن.
-
- للقدوة الزائفة أثر سلبي على التزام الناس، مما حذّر الله -تعالى- منه؛ فإنهم يتحدثون دون عمل. قال -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُون* كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُون).
- أوضح النبي -صلى الله عليه وسلم- عواقب القدوة الفاسدة التي تعيش بعكس ما تروج له، وخطرها على التزام الناس. فقال -صلى الله عليه وسلم-: (أَتيتُ ليلةَ أُسرِيَ بي على قومٍ تُقرض شِفاهُهم بمقاريضَ من نارٍ، فقلت: مَن هؤلاءِ يا جبريل؟ قال: خطباءُ أُمَّتِك الذين يقولون ما لا يفعلون، ويقرؤون كتابَ الله ولا يعملون به).
- كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يجمع عائلته ليُبعدهم عن المعاصي، علمًا منه بأن الناس يقتدون به وبأسرته.
تحفّز الآخرين على الاقتداء بها
تظهر قدرة القدوة الحسنة على تحفيز الآخرين للاقتداء من خلال النقاط التالية:
- وجود القدوة الحسنة يُنشئ تنافسًا إيجابيًا بين الأفراد، حيث يسعى الكل لتحقيق التفوق وكسب الثواب من الله -تعالى-. قال -تعالى-: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾.
- تفاعل القدوة الحسنة مع المجتمع يُعزز من مشاعر الغيرة المحمودة التي تدفع الآخرين نحو عمل الخير، مما يسهم في زيادة الخير في المجتمع.
- حب التقدم والريادة من الصفات الفطرية لدى البشر، والقدوة الحسنة تعزز هذا السلوك لأجل مرضات الله -تعالى-.
توفير معلومات بطريقة أبلغ من الأقوال
تُعد القدوة الحسنة وسيلة سهلة وفعالة لنقل المعرفة؛ إذ يفهم بعض الأشخاص أحكام الإسلام بصورة أفضل عندما يشاهدون من يطبقها أمامهم، مما قد يصعب عليهم استيعابها من الكتب أو بدون تطبيق عملي. ومن الأمثلة على ذلك:
- عُرف عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد اتخذ خاتمًا من ذهب وألقى به، ثم استخدم خاتمًا من فضة.
- امتنع الصحابة -رضوان الله عليهم- عن التحلُّل من الإحرام في صلح الحديبية، لكن بعد أن حلق النبي -صلى الله عليه وسلم- رأسه، وذبح الهدي، قاموا بالاقتداء به. حيث قالت أمّ سلمة: (يا نَبِيَّ اللَّهِ، أتُحِبُّ ذلكَ، اخْرُجْ ثُمَّ لا تُكَلِّمْ أحَدًا منهمْ كَلِمَةً حتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ…).
نماذج من القدوة الحسنة
تتضمن نماذج القدوة الحسنة ما جاء عن خير البشر -صلى الله عليه وسلم- وما تمثله من مثال يُحتذى به للأجيال اللاحقة، بالإضافة إلى الصحابة الكرام. ومن أمثلة القدوات الحسنة ما يلي:
النبي محمد عليه الصلاة والسلام
يُعتبر النبي -صلى الله عليه وسلم- القدوة الأولى لأمة الإسلام، وقد أوصى الله -تعالى- عباده بالاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، حيث قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾. ومن الأمثلة على الاقتداء:
- اقتداء الصحابة بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بخلع نعالهم، وسألوه: (ما حملكم على إلقاء نِعالكم؟ قالوا: رأيناك ألقيتَ نعلَيك فألقَينا نِعالنا…).
- اقتداء الصحابة -رضوان الله عليهم- بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في الطعام. حيث أحب الصحابي أنس بن مالك -رضي الله عنه- الدُباء، فرأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يتتبّع الدُباء من حوله، فقال: لم أزل أُحبُّ الدبَّاء مِن يومئذ.
- اقتداء عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بتقبيل الحجر الأسود، حيث قال بعد تقبيله: (إنِّي أعْلَمُ أنَّكَ حَجَرٌ…).
الصحابة الكرام
تمتاز الصحابة بمكانة رفيعة في الإسلام، فهم من شهدوا نزول الوحي وتعلّموا مباشرةً من النبي -صلى الله عليه وسلم- وشاهدوا معجزاته وجاهدوا وهاجروا معه. لذا يُعتبرون خير قدوة بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- ويُنصح بالاقتداء بهم.
قد أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- باتباع سنة الخلفاء الراشدين بقوله: (فعليكم بسنتي وسنةِ الخلفاءِ الراشدين المَهْدِيين، عَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ). ومن الأمثلة التي يُستَعان بها في الاقتداء ما يلي:
- تمسُّك أمير المؤمنين عثمان بالخلافة، حيث أوصاه النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك، حيث قال: (يا عثمانُ إنَّهُ لعلَّ اللَّهَ يقمِّصُكَ قميصًا…).
رغم الظروف الصعبة التي مرّ بها أمير المؤمنين عثمان بن عفان، إلا أنه ظل متمسكًا بوصية النبي -صلى الله عليه وسلم-.
- تفاعل الصحابة بالضحك والتبسم أثناء روايتهم للحديث، حيث وضح أحد الصحابي أثر ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فقال الصحابي: (كنَّا عِندَ عثمانَ بنِ عفَّانَ…).
- ضحك علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بعد رواية حديث، حيث جاء له بدابة يُركبها…).
بعد ركوبه الدابة قال: (الحمدُ للهِ ثلاثاً…).
- دعوة عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- لأخيه عبيد الله يوم عرفة لطعام، فقال: (إنِّي صائمٌ..).
لأنه رأى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا بحلاب في ذلك اليوم.
أحدث التعليقات